top of page

                                               الديمقراطية

 وفق مفهوم الجبهة السودانية للتغيير، هي الديمقراطية التعددية والتي تقوم على حرية الممارسة السياسية والثقافية وأسلوب الحكم من خلال مشاركة جماعية تعددية، إما مباشرة أو عن طريق ممثلين منتخبين إنتخاباً حراً مباشراً من أجل ممارسة نظام اجتماعي يعيش في ظل التعايش السلمي، ومن ثم تداول السلطة والفكر والمنافع جميعها بما فيها الإقتصادية والاجتماعية. فالجبهة السودانية للتغيير تطالب بالديمقراطية ليس فقط كأسلوب للتداول السلمي للسلطة أو اعتماد التعددية نظاماً وخياراً وحيداً للشعب فحسب، وإنما كقيمة عليا وسلوكاً حضارياً في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ تتجسد فيها مفهوم الحقوق الأساسية للإنسان، لتحكم العلاقة بين السلطة والمجتمع وبين تكوينات المجتمع المختلفة بعضها ببعض. كما تطالب الجبهة السودانية بالديمقراطية، من أجل إدارة الحوار الوطني وتحويل الاختلاف إلى عامل قوة في إطار تطوير القضية الوطنية، وتفعيل منابر ومؤسسات إدارة الحوار في جميع وجوهها حتى يكون الحوار هو المتفق عليه في حل القضايا الخلافية لا القتال أو التنازع.

والديمقراطية التي نسعى إلى تحقيقها، هي كل المنجزات البشرية التي خبرتها وساهمت فيها الشعوب المختلفة بخبرات متراكمة منذ الثورة الفرنسية العام 1789م، مروراً بعصر النهضة الأوربية وتجربة حركات التحرر الوطني العالمية في نضالها ضد الاستعمار، وضد الهيمنة الاقتصادية. كما عززتها تجارب الشعوب السودانية بمختلف مكوناته في نضالها ضد الاستعمار وضد الاستبداد الديني والدكتاتوريات العسكرية والتهميش والاستغلال الاقتصادي، مؤكدين أن السودان ككيان إثني وثقافي وديني واجتماعي متميز ومتعدد ومنتمي إلى دوائر حضارية متداخلة وله ظروفه الاقتصادية والاجتماعية الخاصة وتقاليده السياسية المتجذرة خاصة فيما يتعلق بالتأكيد على قيم العدالة والتضامن والحرية التي أصبحت جزءً من إرثنا الثقافي والاجتماعي ووجداننا ولذلك نحن قادرون على إثراء وإغناء التجربة المشتركة للإنسانية.

أثبتت التجربة التاريخية والعالمية أن إحقاق وتعضيد الديمقراطية وإزدهارها هي صمام الأمان لصون السلام وتحقيق التنمية المتوازنة والتقدم الاجتماعي. والديمقراطية كمضمون اجتماعي ومنهاج تفكير وسلوك هي ممارسة يومية تطال جميع مناحي الحياة، والتي تشمل:-

 (1) حرية الاعتقاد والضمير والتفكير والبحث العلمي والتعبد واحترام الأديان والمعتقدات.

(2) حرية التعبير والتنظيم بما فيها تنظيم المنظمات والجمعيات والنقابات والأحزاب بشكل مستقل تماماً عن السلطة السياسية والتنفيذية.

 (3) حرية الصحافة والمطبوعات والنشر بعيداً عن تدخل ورقابة الأجهزة الإدارية والتنفيذية.

 (4) كفالة حرية المشاركة في اتخاذ القرار والتشكيل الديمقراطي للأجهزة المختلفة بما فيها استقلال الجامعات ومؤسسات البحث العلمي والمجالس المهنية التخصصية.

لا تستكمل الديمقراطية بدون محو الأمية الشامل لأن محو الأمية وإشاعة المعرفة شرطان ضروريان وأساسيان لإحقاق الحقوق ولمحاربة الجهل والخرافة والتضليل الدجل والشعوذة وشرطان أساسيان لتحقيق الحرية الفردية.

ولن تتحقق الدييمقراطية دون تحرر المرأة الكامل، وذلك بتحريم كافة القوانين المحطة لكرامة المرأة وإزالة كافة أشكال التمييز تحقيقاً لضمان الحقوق والفرص المتساوية – وكذلك تميزها إيجابياً في بعض الحالات لتحقيق ذلك الهدف.

لن تكتمل الديمقراطية دون صيانة حقوق الإنسان المتكاملة بما فيها حق العمل وحق الحياة والنظم التي تصادر الديمقراطية وتستأثر بالسلطة وتقوم بقمع الآخرين بالضرورة تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين.

 

  • إن الممارسة الديمقراطية هي الجانب الأكثر أهمية لأنها تنظم العلاقة بين سلطات الدولة والمجتمع ببناء نظام نيابي يقوم على الإنتخابات العامة الدورية والنزيهة ونظام حكم يقوم على مبدأ حكم الأغلبية مع الإحترام التام لحقوق الأقلية ووضع الضمانات الكافية التي تحول دون تركيز السلطات واحتكارها وإقامة الدكتاتورية المدنية – كما لا تقوم الديمقراطية بدون سيادة حكم القانون واستقلال السلطات "التشريعية والتنفيذية والقضائية" تحت رقابة المجتمع المدني.

  • التعريف الكلاسيكي الذي يحصر الديمقراطية على الممارسة النيابية أو التمثيلية (وبالرغم من القيمة الحقيقية لذلك)، يظل قاصراً وعاجزاً فلا يجب أن ننظر إلى الديمقراطية كمجرد مجموعة من المؤسسات (البرلمان) أو الممارسات السياسية (التصويت) لأن الديمقراطية السياسية لا تستقيم بدون الديمقراطية الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة لأن ذلك هو القوة الحقيقية والمعنى الأشمل للديمقراطية ولا يتحقق ذلك إلا بالإلتزام بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

  • الديمقراطية كذلك تقوم على التوافق على القيّم الجوهرية للمجتمع وأركان ثقافاته المتعددة وما تلعبه الأديان وكريم المعتقدات في تكوين وجداننا الثقافي والأخلاقي وما تلعبه كذلك المواثيق الدولية المتطورة في مجال كفالة وضمان حقوق الإنسان الأساسية.

  • الديمقراطية ليست مفهوماً مبتسراً أو تعسفياً كمفاهيم الديمقراطية الشعبية أو الموجهة التي استخدمت كتمويه وغطاء لممارسات شمولية وتسلطية بعيدة كل البعد عن جوهر الديمقراطية ولذلك يجب أن نتخذ موقفاً واضحاً ورفضاً قاطعاً لتجربة حكم الحزب الواحد مهما كانت دعاوى ذلك ويجب إقتلاعها من الفكر والتجربة والممارسة – كما يجب إشاعة وممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب والمنظمات الجماهيرية لأن فاقد الشيئ لا يعطيه.

  • الديمقراطية تقتضي الوعي التام بأهمية المجتمع المدني ومنظماته واستقلالها فكراً وممارسةً، كما أن فصل المجتمع المدني عن هيمنة الدولة هو المفتاح البنوي لقيام الديمقراطية، ولكن المجتمع المدني ليس جنة للتصالح، بل هو ميدان للصراع الفكري والثقافي والاجتماعي، ولكنه صراع يُدار على قاعدة التنوع والتسامح وقبول الرأي الآخر.

  • كذلك يجب الوعي بأهمية المجتمع الأهلي ورعايته وتطوره ونقد التجربة السالبة في الحل المرتجل للإدارة الأهلية، لأن المجتمع السوداني في أغلبه منقسم اجتماعياً إلى جماعات متباينة (مجتمع ما قبل الحداثة)، تسوده العلاقات والتنظيمات القبلية والعشائرية والأسرية القائمة على روابط الدم أو أشكال قديمة من العصبيات التي ما تزال قائمة وهي تشكل في جوهرها وجوداً مستقلاً عن الدولة.

إننا نعتبر أن تحقيق الحد الأدنى من النهوض الاقتصادي والثقافي والمجتمعي شرط ضروري لمواصلة وتنمية التجربة الديمقراطية حتى تكون ذات معنى وذات قابلية للازدهار. وفي ذلك فإن أي نظام ديمقراطي يفقد جانباً مهماً من ضرورته وفعاليته إن لم يتمكن المجتمع من الانطلاق النهضوي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإحداث قطعية نهائية مع الفقر والتخلف.

                                           الحرية

 هي حق الإنسان الأزلي التي لا يحدها إلا حقوق وحريات الآخرين. فالحرية وفق مفهوم الجبهة السودانية للتغيير تعني ضمناً كفالة حقوق الإنسان كافة، كما هو منصوص عليها في المواثيق الدولية والإقليمية، وهذه الحقوق لا يمكن تحقيقها ما لم تتحقق حرية الأفراد والجماعات من الفقر والمرض والجهل والخوف والتبعية.

                                   الإصلاح المجتمعي

إن موضوع التعايش السلمى بين الثقافات والاثنيات والعرقيات والاديان لابد له من ارادة سياسية ومشروع سياسى قائم على فكرة المواطنة كعظمة ظهر للحفاظ على المنظومة الوطنية ومن ثم إقامة الدولة الوطنية المتماسكة. بمعنى أن أى تطرف أوعدم حياد فى التعامل مع هذه التباينات سيؤدى عاجلا أم آجلا الى تناحر اجتماعى ياخذ بتلابيب هذه التباينات بعضها البعض. فتجربة نظام الجبهة الإسلامية القومية فى السودان اوضح دليل عندما تم استغلال الدين الاسلامى للوصول للسلطة ومن ثم البقاء فى سدتها لاكثر من ربع قرن على حساب التعدد الدينى فى المجتمعات السودانية. رافعين شعارات الإسلام السياسي للمتاجرة بها واستخدامها في أمور دنيوية كما أثبتت التجربة المريرة التي عاشتها الشعوب السودانية طوال فترة حكمهم ليتصدر المشهد السياسي الفاسدين في أنفسهم والمفسدين لغيرهم، ويصبح اليمين غموسا والدجل صنعة والشعوذة موهبة والنفاق سلعة والكذب والرياء شهادة رافعة لتبوء أعلى المناصب العامة.

ونتيجة لذلك الانحطاط السلوكي انتشرت ظاهرة التدين الشكلي في بعض فئات المجتمع السوداني وأخذت طابع الشكل والمظهر الذي يستمد قدسيته من إطالة اللحى وحف الشوارب وإظهار زبيبة الصلاة وحمل المسبحة ولبس النقاب والحجاب لتكون بمثابة هوية دينية تتصادم مع الآخر المختلف لتضعه في خانة الأعداء، فاستباحة عرضه وماله وحتى قتله يصبح واجبا دينيا مقدسا.

كما أن اعتقاله وسجنه وتعذيبه عبادة يؤجر من يقوم بها. وصار التدين الشكلي يتسم بسطحية مخاصمة لكل المضامين الروحانية التي أتت بها الأديان السماوية لخلق التوازن الروحي في المجتمع السوداني المتعدد الديانات والاثنيات والأعراق والثقافات لتنسجم مع الأخلاق والسلوك القويم للفرد.

إن التسامح الديني الذي كان سائدا بين المجموعات المختلفة سواء أن كانوا صوفيين، أنصار، ختمية، مسيحيين، روحانيين ..الخ. كان العامل الحاسم في تماسك الدولة السودانية ونسيجها الاجتماعي دون تدخل مباشر من الادارات السياسية المختلفة إلا أن تجربة اختطاف الدين واستغلاله من قبل جماعات الإسلام السياسي أدى إلى خلخلة تماسك هذه المجتمعات المتباينة ووسع الفجوة بين الاثنيات والعرقيات المتعددة خاصة بعد اتساع رقعة الحروب الجهادية في محاولة لفرض هذا المشروع الديني الفاشي. وعليه فلا مناص من تحييد الدين، أى دين فى الصراع السياسى باعتباره سلوك فردى بين الفرد والمعبود، وباعتباره مُختلف على تفاسير محتوياته. كما أن الإرادة السياسية التي تحاول فرضه كحالة ثقافية جمعية تنسف كل عناصر التعدد والاختلاف.

إن حياة التشوه الأخلاقي التي أصابت المجتمع السوداني في قيمه ومثله ومعتقداته، لا سبيل إلى إصلاحها إلا بتعرية وكشف زيف الخطاب الديني، الذي أتى به دعاة الإسلام السياسي، لاقصاء وقمع الآخر، لتسود من بعد ذلك قيم التدين الشعبي الذي يحمل قيم التسامح والتعايش مع أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى في وطن تسوده قيم السلم الأهلي والسلام الاجتماعي. كما أن الطريق نحو الدولة الديمقراطية التي تفصل الدين عن الدولة ليتساوى فيها الجميع وتكون المواطنة هي الأساس لا يمر إلا على أنقاض  الدولة الدينية التي اختزلت الشريعة في كتيب العقوبات والحدود واستخدمتها أداة لارهاب وترهيب الخصوم.

لهذا ترى الجبهة السودانية للتغيير أن إعادة بناء وهيكلة أجهزة ومؤسسات الدولة السودانية لا يتوقف على البرامج السياسية المبنية على أسس علمية رصينة والمستندة على آليات عملية وتوفير موارد مالية لتنفيذها فحسب، بل يتطلب مجتمعا سليما معافى تحكمه قيم الصدق والأمانة والشفافية والنزاهة ليقوم بتنفيذ هذه البرامج. وهذا لا يتأتى إلا بالآتي من خطوات:ـ

أولا: وقف أدلجة وتمذهب الناشئة، ونبذ روح العصبية والانغلاق الفكري وسطهم، ووقف عملية التلقين باتباع الأسس العلمية والتربوية المعمول بها في الدول المتقدمة لتربيتهم على التسامح والاخاء والمحبة ونشر روح الخلق والإبداع والابتكار وهذا يتطلب التعديل الجذري للمقررات المدرسية.

ثانيا: عدم استغلال المساجد ودور العبادة لبث روح الكراهية والفتن والعداء والعنصرية، وعدم السماح قانونا باستغلالها لنشر الأهداف والآراء السياسية التي تدعو إلى الفرقة أو المساس بعروض الناس أو قناعاتهم أو عاداتهم أو معتقداتهم مع توجيه استخدام دور العبادة إيجابيا من أجل الدراسة والتربية السليمة والأغراض الاجتماعية والدينية.

ثالثا: مراجعة وإلغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وكشف التلاعب وسرقة أموال الحج والأوقاف والزكاة، والعمل على قيام مجلس أعلى مستقل للشؤون الدينية، يتم فيه تمثيل كل الديانات واصحاب المعتقدات على أن تقف مؤسسات الدولة على مسافة واحدة من جميع الديانات والمعتقدات.

رابعا: منع الاستغلال البشع في مفهوم الزكاة وجبايتها برفع يد الدولة عنها باعتبارها فريضة دينية شخصية تؤدى على زمة الفرد.

خامسا: مراجعة كل المؤسسات الدينية والتعليمية وتوجيه رسالاتها نحو خدمة المجتمع مع مراعاة عدالة توزيع ميزانياتها.

سادسا: السماح لأصحاب كل الديانات والمعتقدات أن يمارسوا حرياتهم الدينية وطقوسهم الروحية في جو من الحرية والتسامح.

سابعا: على الدولة أن تنظم عمل الدعاة وخطباء دور العبادة ولا يتم ذلك إلا تحت إشرافها وبشهادات علمية معتمدة من مؤسساتها وأن يقتصر عملهم على شؤون الدعوة والوعظ. 

 

 

 

                                       العدالة الجنائية والسلام

 من البداهة، معرفة أن الظروف التاريخية والبيئية والنفسية والإجتماعية هي مصدر الاستمرار في كون الإنسان سليم الفطرة بالأصل، كائن محب للخير، وهذه الظروف هي ذاتها اللاعب الأساسي في إنتاج الإنحراف والنزوع نحو الشر، فالسلام يجد فلسفته في التربية القويمة المعتمدة على الاستقلال الفكري والمادي دونما تجاهل للواقع، حيث تنتج هذه التربية إنساناً مستوعباً لاستقلالية الآخرين، وبالتالي لا مناص للعيش الكريم إلا في ظل سلام مستدام. كما يقوم السلام على الوصول إلى ابتكار الحلول الناجزة لكل القضايا العالقة جراء غبن تاريخي أو نزاعات جديدة قد تظهر قبل أن تتحول إلى إنفجارات مسلحة أو حروبات جديدة. وتقوم فلسفة الجبهة السودانية للتغيير على أن العدالة الجنائية لابد أن تسبق السلام لتحققه وتحافظ عليه بعكس العدالة الانتقالية التي قد تأجج الصراع وتزيد من أمده بما تتضمنه من حلول سياسية توافقية قد ترفضها الأطراف المتضررة وتعتبرها خصما على الاستقرار والسلام وتحقيق العدالة.

ويمكن تعريف العدالة الانتقالية بأنها مجموعة الأساليب والآليات التي يستخدمها مجتمع ما لتحقيق العدالة في فترة انتقالية من تاريخه، تنشأ هذه الفترة بعد اندلاع ثورة أو انتهاء حرب يترتب عليها انتهاء حقبة من الحكم الدكتاتوري والمرور بفترة انتقالية تنتهي بالتحول الديمقراطي، ويمكن تعريفها أيضا بالمجمل بأنها مرحلة ما بعد الأزمات، وتهدف إلى التعامل مع إرث الانتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية إضافة إلى السياسة القضائية التي يجب أن تتضمن تدابير ترمي إلى هدف مزدوج وهو المحاسبة على جرائم الماضي ومنع وقوع الجرائم في المستقبل وهي بهذا المعنى مفهوم حديث بدأ تطبيقه في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وطبقته كثير من الدول كل دولة بحسب واقعها وظروفها.

 وبانزال هذا المفهوم على الواقع السوداني نجد أن مفهوم العدالة الجنائية هو الأنسب لتحقيق السلام والمحافظة عليه لأسباب منها: أن العدالة الانتقالية تتطلب تعاون الطرف الآخر وهذا الشرط ينتفي بتصلب مواقف هذا النظام الذي يرفض أي دعوة ترمي للحل السلمي. 2ـ اتساع نطاق الانتهاكات التي شملت كل شعوب الدولة السودانية الأمر الذي يتطلب محاكمات جنائية عادلة. 3ـ إن الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها هذا النظام من الجسامة والوضوح حيث أن الجاني معلوم والضحية أيضا. 4ـ أن الإجراءات الجنائية قد بدأت بالفعل ومعظم قادة النظام من عسكريين ومدنيين قد أصبحوا محل اتهام. 5ـ إن تطبيق العدالة الانتقالية بشقيها القضائي والسياسي تعتبر تسوية مجحفة بحق الضحايا إذ تعتبر بمثابة الدعوة للإفلات من العقاب بالنسبة لبعض المتهمين.

 

 وترى الجبهة السودانية للتغيير أن تحقيق السلام في كل المناطق التي تأثرت بالحروب الجهادية. والحروب تحت ذريعة بسط سلطة وهيبة الدولة. وضحايا مشاريع التنمية العبثية عديمة الجدوى الاقتصادية، وما يرتبط بها من عملية نزع الأراضي المملوكة حكرا للمواطنين. وضحايا الاقتتال القبلي الذي تصنعه الدولة وتهيء أسبابه خطوة لابد من أن تسبقها عدالة جنائية كي تحفظ هذا السلام وتؤدي إليه، والسلام كمفهوم إيجابي واسع من وجهة نظرنا يفترض المصالحة الوطنية وتقديم المتهمين للعدالة بكافة أشكالها، ومن ثم وضع أسس جديدة لثقافة السلام، ولا يتم ذلك إلا بتفكيك بنية العنف التي تعتبر الخطوة الأولى لمعالجته.

إن العنف الذي يحدث في السودان لا يقتصر على الحروب والاقتتال الذي تصنعه وتغذيه دولة المركز ضد الهوامش والأطراف فحسب، بل يتمظهر في أشكال عدة تكون هي نتيجة وسببا في إشعال تلك الحروب، منها:

1ـ جرائم القتل الواسع النطاق وما ينتج عن ذلك من عمليات هروب ونزوح جماعية واسعة، وإرتباط جرائم القتل والترويع والإبادة بحرمان الأفراد والمجتمعات المحلية من أن تكون منتجة ومساهمة في العملية الانتاجية القومية، ويتم بذلك تحويلهم إلى مجرد متلقين للإعانات والإغاثات مما يضعف روحهم المعنوية لمقاومة الظلم والتهميش المفروض عليهم. وهذا ما يعرف بالعنف الاقتصادي.

 2ـ جرائم العنف الجنسي وما يرتبط بها من جرائم الاغتصاب التي استخدمتها الحكومة المركزية المتمثلة في نظام الجبهة الإسلامية كسلاح لكسر إرادة مناوئيها، وتكون نتيجة ذلك الحتمية تحول العنف ضد الأفراد والتجمعات إلى عنف عرقي واثني شامل يستبيح تلك القوميات ويمارس ضدها سياسة الأرض المحروقة تكريسا لعملية إحلال المستجلبين الجدد خدمة لثقافته وقيمه وأيديولوجيته، وما ينتج عن ذلك من سياسة عنصرية تأخذ طابع المؤسسة الرسمية لتكون مبررا كافيا على استهداف تلك القوميات وقتل أفرادها على السحنة والهوية.

3ـ العنف الثقافي، يتمثل في الإبادة الثقافية التي تمنع تلك الأعراق والاثنيات من التعبير عن خصوصياتها الثقافية، يتبعه تجريف معرفي في فرض اللغة العربية عليهم ومنعهم من استعمال لغاتهم الأصلية ومحاربتها.

4ـ العنف ضد المرأة، وما يتبع ذلك من سن للقوانين القمعية التي تجعل منها متهمة حتى تثبت العكس، وما يلي ذلك من إعلاء قيم الثقافة الذكورية وتمجيدها.

 

كل أشكال ذلك العنف التي حدثت وما زالت تحدث في دارفور وجبال النوبة وجبال الإنقسنا وغيرها من مناطق البلاد المختلفة يجب التصدي لها ومعالجتها، لا معالجة أعراضها التي قد توقف العنف وتحقق السلام في شكله السلبي الذي يمكن أن يتحول لأي سبب لاشعال الحروب وإعادة انتاج مآسيها من جديد.

إن العنف المفرط من قتل واغتصاب وتهجير وتنزيح الذي مارسه نظام الجبهة الإسلامية ضد المواطنين في جنوب البلاد وغربها وشرقها ووسطها وعاصمتها لم يترك مجالا للجدل الفلسفي العقيم الذي يدور حول ثنائية السلام والعدالة أيهما يأتي أولا؟.

 لهذا ترى الجبهة السودانية للتغيير أن تطبيق العدالة وتحقيقها  يأتي أولا، ـ وذلك بمحاكمة كل من أجرم أو شارك أو ساهم أو حرض أو تآمر بالصمت أو بالتواطؤ وهو في موقع المسؤولية ـ وهذان هما شرطان لازمان لتحقيق السلام وتعزيزه، حتى يري ذوو الضحايا أن العدالة بكل وجوهها قد تحققت، ويري الذين يمكن أن يتعرضوا لمثل تلك الانتهاكات في المستقبل بأنهم أصبحوا في منأى من تكرار الحروب وما يرتبط بها من مآس وويلات مرة أخرى.

يتفق اتجاه الجبهة السودانية للتغيير مع المبدأ الذي تبنته دول العالم، وهو "المسؤولية عن حماية المدنيين"، فأقرت هذا المبدأ لحماية الشعوب من جرائم دولية سمتها على سبيل الحصر وهي جرائم الإبادة، جرائم الحرب، التطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وهذا المبدأ يمثل مسؤولية دولية جماعية عن الحماية، يمارسها مجلس الأمن الدولي بما له من سلطات، بأن يأذن بالتدخل العسكري كحل أخير عند حدوث إبادة جماعية أو عمليات قتل أخرى واسعة النطاق أو حدوث تطهير عرقي أو انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، إذا ثبت أن الحكومات المتورطة في ارتكابها عاجزة عن منعها أو غير راغبة في منعها.

 كل تلك الجرائم المذكورة أعلاه قد تم إرتكابها في دارفور وغيرها من مناطق البلاد المختلفة، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية بواسطة إدعائها العام مذكرات جلب واحضار بحق كبار المسؤولين عنها. هذه الخطوة ورغم أهميتها ترى الجبهة السودانية من وجهة نظرها أنه لابد من تأهيل القضاء الوطني وإعادة تشكيل هيكلته ليستوفي معايير الأمم المتحدة، ليكون قادرا على محاكمة المتهمين المتورطين في تلك الجرائم والذين لم تشملهم اتهامات القضاء الدولي. بجانب الآتي من معالجات:ـ

أولا: لا يتحقق السلام دون حل للقضية السودانية في ثوبها القومي، والاعتراف بفشل الحلول الاستثنائية التي تتمثل في المفاوضات الثنائية والجزئية.

ثانيا: مساءلة ومحاسبة الذين أسهموا في تأسيس المليشيات القبلية قبل العام 1989م، وبعده، لتأجيج الصراعات والاقتتال القبلي لتحقيق مكاسب سياسية آنية.

ثالثا: العمل على تجريد المليشيات القبلية من أسلحتها لتحقيق الصلح الاجتماعي. وصولا للسلام المدني  

رابعا: العمل على استقرار الرحل من الرعاة، وذلك بتوفير كل أسباب حياة الاستقرار من مدارس ومستشفيات وغيرها من خدمات، وتوفير العلف والعناية الطبية لمواشيهم وإزالة الأسباب المعوقة لتنافس في الأسواق العالمية.

خامسا: تأهيل الإدارات الأهلية حتى تساعد في استتباب الاستقرار الاجتماعي وإزالة الغبن بين فئات المجتمع المختلفة.

سادسا: ندعو لعقد  مؤتمر الصلح الاجتماعي، ليشارك فيه ممثلو المجتمع الأهلي والمدني وممثلو النساء والشباب.

سابعا: معالجة موضوع أراضي الحواكير، وذلك بطرد المستجلبين الجدد منها وإرجاع أهلها وأصحابها إليها.


مبادئ الجبهة السودانية للتغيير:

من المنطلق أعلاه تقف الجبهة السودانية للتغيير على رؤية سياسية وطنية تتلخص في المبادئ والمرتكزات التالية:- 

 

                                           الدين والدولة

 لقد عاش السودانيون خلال تاريخ تجاربهم المشتركة مراحل صعبة ومريرة من نماذج الحكم القائمة على القول بالمزج بين الدين والدولة. ولعل الذاكرة التاريخية قد حفظت لنا كيف تحولت الثورة المهدية من ثورة تحررية قومية جامعة إئتلف وإلتف حولها أهل السودان من جنوب وشرق وغرب وشمال ووسط البلاد دون فرز بين مسلم وغير مسلم أو تفضيل طبقة أو عرق على آخر إلى دولة ضيقة الأفق بطشت بالسودانيين مزقت وحالت دون تطور وحدتهم. كما أن تجربة نظام الانقاذ القائمة يمكن أن تكون أكبر مثال للخطر الأكبر والعبء الثقيل والاستبداد الذي نتج وعانت منها الشعوب السودانية بجميع تكويناتها، وفي جميع أنحاء البلاد خلال ربع قرن من الزمان تطبيقا لشعار برنامح "الإسلام هو الحل" أو برنامج الانقاذ المسمى بـ "المشروع الحضاري". لم يسلم حتى الإسلاميون أنفسهم من ويلات بطش الدولة المستبدة التي قامت على هذا المنهج. وبالتالي فإن فصل سلطة الدولة عن الدين يعتبر شرطاً ضرورياً لتوفير الحرية للمواطنين، وذلك أن القول بأن الدولة تستمد سلطتها من الدين سيضع عبئاً ثقيلاً علي ضمائر الأفراد الذي سيعوقهم من رؤية الدولة علي حقيقتها كيف يمكن أن تتحول الى راعية لنظام شمولي لا يبقي ولا يذر. لهذا فالفصل بين الدين والدولة ليس أمراً أيديولوجياً أو عقيدة بقدر ما هو طريقة وأسلوب يقًوم الحكم باعتباره من صنع ومسؤلية المواطنين أفراداً وجمعات. ويعظم الدين ودوره في هداية البشرية بأن لا يجعله مطية لهوى أو مصلحة جماعة أو فرد.

لقد أخفق العلمانيون في طرح فكر عقلاني لمواجهة تصاعد الدعوات الإسلاموية والسلفية القائلة بأن الحكم الإسلامي هو الحل السياسي، حتى رأى الجميع من واقع التجربة المباشر الخطر الداهم الذي عم البلاد ومواطنيها ووحدتها ومس بالضر أمن وسلامة وإنسانية مواطنيها أجمعين. لذا ترى الجبهة السودانية للتغيير أن الوقت قد حان لمواجهة الفكر بالفكر لإثبات ما نادت به الحركة الوطنية في عهدها الأول بأن الدين لله والوطن للجميع، لأنه بدون ذلك لا يمكن أن نحقق سلاماً وتنمية مستدامين.

إن قضية فصل الدين عن الدولة هي قضية محورية ومركزية ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمسألة الصراع السياسي في السودان وما آلت إليه بلادنا من دمار وتمزق وانهيار منذ الاستقلال. بالرغم من أن نشوء الحركة الوطنية من صلب مؤتمر الخريجين وبدايات الحركة السياسية والصراع السياسي اتخذ طابقاً عقلانياً وديمقراطياً توج بدستور الاستقلال العام 1956م الذي كان دستوراً علمانياً بكل ما تحمله الكلمة والمعنى. "إلا أن الأحزاب السياسية التي تمخضت عن مؤتمر الخريجين نشأت وترعرت ثم شاخت في كنف ورحم الطائفية، وهكذا تم وأد مؤتمر الخريجين وحلت محله أحزاب وزعماء أصبحوا بمثابة الوكلاء السياسيين للزعامات الطائفية". إن تجربة الإسلام السياسي في السودان وبما يفوق الخمسين عاماً تؤكد أن القوى التي تستخدمه وتستغله كغطاء أيديولوجي لتحقيق مآربها الدنيوية وأغراضها الشريرة وتقف تجربة النميري والجبهة القومية الإسلامية شواهد على ذلك. كما تم إجهاض ثورة أكتوبر بتحالف يميني-رجعي تحت برنامج ديني يلتحف بالإسلام حيث تمت تصفية مكتسبات أكتوبر بالعصي والحراب والمليشيات الجهادية. هذا الحلف اليميني سار على طريق الإنتقاص من الديمقراطية بحظر الحزب الشيوعي من داخل البرلمان وعدم الامتثال لقرار المحكمة الدستورية. واستمر هذا النهج في محاولة فرض الدستور الإسلامي والجمهورية الرئاسية 1966م – 1969م. بدأ التطبيق الفعلى للقوانين التي سميت إسلامية في عهد جعفر نميري وعرفت بقوانين سبتمبر 1983م، التي وصفها من يدعون إلى تطبيق برامج الصحوة الإسلامية بأنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به لما شاب تطبيقها من همجية وانتقائية لتصفية الحسابات السياسية وترهيب الخصوم فخلفت العشرات من ضحياها ويقف إعدام شهيد الفكر محمود محمد طه دليلا على بشاعة هذه القوانين التي سميت بالشريعة. إلى أن انتهى بنا الحال بقيام الدولة الدينية الإستبدادية في عهد الإنقاذ. وتقف جرائم النظام على فظاعة وصلف وعسف الدولة الدينية.

في مواجهة هذه الهجمة الشرسة نجد التراجع المستمر للقوى الديمقراطية، وللقوى التي ترفض الدولة الدينية. هذا التراجع المستمر والاستسلام والتقهقر الفكري والسياسي أدى إلى محاولة بعض هذه القوى إلى إضفاء غطاء ديني على بعض المواقف السياسية كتبرأة التجربة الإسلاموية واعتبارها بعيدة عن الدين الإسلامي، أو محاولة أسلمة بعض البرامج السياسية ... إلخ. أدى ذلك إلى إزدياد شراسة قوى الإسلام السياسي في هجومها على الحريات العامة والشخصية بفرض مزيداً من التشريعات والقوانين التي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، كما تحط من قدر الإنسان وآدميته (المرأة مثالاً). فالدولة الدينية تكرس الاستبداد والتخلف وتنسف وحدة البلاد (انفصال الجنوب مثالاً آخر) وفي دول مثل "السودان، إيران، اليمن، باكستان" لا يكون الصراع سياسياً والخلاف حزبياً وإنما يدور بمنطق الإيمان والشرك. عندما ندعو لفصل الدين عن الدولة أو السياسة ننطلق من حقيقة أن القضايا السياسية هي قضايا إنسانية ونشاط بشري حيث لا يوجد برنامج سياسي مقدس أو منزل. ولذلك يجب أن يكون الصراع السياسي حول قضايا التنمية والتطور الاقتصادي والثقافي ويستند على التجربة الإنسانية والعقلانية وعلى العلم والمعرفة. وهذا لا يتم إلا في جو ديمقراطي يعترف بحق الاختلاف وقبول واحترام الرأي الآخر. فصل الدين عن الدولة ليس كفراً وزندقة أو إلحاداً، كما وأنه ليس نفياً للأديان عن الحياة العامة، وهذا لا يعني أن السياسيين لن يستلهموا قيمهم الدينية والروحية في رسم ملامح برنامجهم – ولكن هذا الاستلهام ليس قطعياً، بل قابل للمناقشة وللخطأ والتصويب.

 

                                                اعادة هيكلة السلطة القضائية

القضاء السوداني ما بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية شاملة وفق معايير صارمة تتعزز من خلالها مكانة القضاء باعتباره حصن منيع لحماية الحقوق والحريات الأساسية، لأن ذلك من شأنه استعادة ثقة المجتمع السوداني بالقضاء كمؤسسة مستقلة باعتبارها خط الدفاع الأول والأخير عن حق المجتمع بأن يعيش آمنا على حقوقه. إن تدهور السلطة القضائية وانهيارها ليست في غياب النصوص الدستورية بل في تغييب وعدم تطبيق هذه النصوص، مما عمق حالة عدم الطمأنينة لدى المجتمع الذي فقد الثقة التامة في وجود مؤسسة قضائية مستقلة بالمعنى الدستوري للمفهوم. وتعتبر أزمة القضاء جزء أساسي من إشكالية الدولة السودانية ككل، والتي تمثلت في هيمنة القرار السياسي وذلك بتعيين القضاة على أساس الانتماء الحزبي، وإحالة الأكفاء منهم للصالح العام لأسباب سياسية، وتغول السلطتين التنفيذية والتشريعية وتدخلهما في شؤون القضاء وطغيان واستبداد النظام الإسلاموي وترسيخ صورته في ذهن المجتمع بصفته الحاكم بأمر العناية الإلهية وغياب المفاهيم المتصلة بالقضاء واستقلاليته وتغييب دور الشعب كمرجعية أساسية لاسناد السلطة للحكام عبر آلية الانتخابات الحرة والنزيهة.

ترى الجبهة السودانية للتغيير، إن استقلال السلطة القضائية لا يتحقق إلا بتوافر ثلاثة عناصرتتمثل في:ـ   1ـ إحترام مبدأ سيادة القانون الذي يكفل مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالها،  مما يمكن السلطة القضائية من الرقابة على السلطة التشريعية من حيث عدم مخالفة التشريعات الصادرة عنها للدستور، وإبطال أي قرار إداري مخالف للقانون تصدره السلطة التنفيذية.

2ـ إعادة تشكيل القضاء وفقا للمعايير الدولية، التي أقرت تقسيم مؤسسة القضاء من ناحية تكوينها إلى قضاة ـ  طواقم إدارية ـ منشآت ومباني. ويمكن تفصيلها كالتالي:ـ

 أـ  يتم اختيار القضاة بالانتخاب العام كما في سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم ما يشوب عملية انتخاب القضاة من عيوب. إلا أن معظم دول العالم لا تلجأ إليها والسودان أحد هذه الدول. والقصد من إيرادها هنا هو إمكانية الأخذ بها كطريقة لانتخاب قضاة المحكمة الدستورية بواسطة الانتخاب الشعبي لتجنب التأثير عليهم باعتبارهم حماة الدستور، وأن يتم انتخاب رئيس القضاء من قبل القضاء أنفسهم من ضمن المرشحين للمنصب من قضاة المحكمة العليا.

 ب ـ يتم تعيين القضاة بواسطة السلطة التنفيذية التي تشترط  توافر شروط معينة في من يراد تعيينه قاضيا فلا يترك الأمر لمطلق تقدير السلطة التنفيذية. ويجب توافر شروطا معينة لضمان قضاء سليم يؤدي وظيفته الطبيعية من أجل تحقيق العدالة منها: وضع شروط موضوعية في من يتولى مهنة القضاء. كفالة حماية القاضي من السلطة التنفيذية والتشريعية. الارتقاء بمستوى الحالة المالية للقضاة الأمر الذي يكفل لهم حياة كريمة بالاضافة للشروط الذاتية الأخرى كشرط السن والكفاية العلمية والصفات المحمودة وشرط سبق العمل بالقانون واللياقة البدنية.

ج ـ  ضمانات القضاة ضد السلطة: عدم قابلية القضاة للعزل إلا بالكيفية المبينة في القانون. وعدم التأثير على عمل القاضي من الهيئات الإدارية والمتصلة بعمله مثل علاقته بوزير العدل باعتباره ممثلا للسلطة التنفيذية. وهذا يتطلب إعادة رقابة القضاء على أعمال وزراة العدل باعتبارها المستشار القانوني للسلطة التنفيذية وإحدى وزاراتها والتي تتبع لها النيابة العامة وهي الجهة التي خولها القانون بتحريك الدعاوى الجنائية بكل مراحلها دون أن يكون للقضاء رقابة على قراراتها إلا في حدود ما تقوم النيابة بإحالته إليها الأمر الذي فتح الباب واسعا للتنفيذيين للفساد ونهب المال العام. وعلاقته برئيس المحكمة باعتبارها علاقة إشراف إداري. وعلاقته بالتفتيش الإداري على أعمال القضاة باعتبارها إدارة تابعة لوزارة العدل إلا أنها تتمتع باستقلالية في أداء مهامها لاستنادها إلى أسس وقواعد قضائية موضوعية يجب أن تظل هذه العلاقة كما حددها القانون. كما يجب توحيد القضاء لأن هنالك أكثر من جهة قضائية في السودان بجانب القضاء الطبيعي، كالقضاء العسكري الذي أصبح من صلاحياته في عهد الانقاذ محاكمة المدنيين إذا تعلقت أفعالهم بأي فرد ينتمي للقوات المسلحة، ومحاكم الشرطة ومحاكم الأمن والمحاكم المتخصصة وما يشوبها من تضارب المصالح. كل هذه المحاكم تعمل خارج رقابة السلطة القضائية والمطلوب توحيد القضاء وإخضاع هذه المحاكم لسلطة قضائية واحدة في البلاد، ولا يعني هذا إلغاء المحاكم العسكرية بل يجب أن يترأسها قضاة مدنيون تنتدبهم السلطة القضائية ولا مانع من أن يكون من ضمن هيئة المحكمة عسكريون. 

د ـ لابد من توفير طواقم إدارية كافية أو ما يعرف بقلم المحكمة، توفير رجال الضبط القضائي أو ما يعرف بالشرطة القضائية لحفظ أمن القضاة والمتقاضيين. تعيين العدد الكافي من موظفي التبليغات. أو ما يعرف بالمحضرين.

ه ـ منشآت ومباني المحاكم: يجب أن يدل شكل المبنى على أنه محكمة بحيث يكون معروف لكافة المواطنين بالاضافة إلى ذلك يجب توفير غرفة لكل قاض حتى يؤدي عمله بهدوء، وقاعة لكل دائرة قضائية مع وجود غرفة ملحقة بها للمداولة، مكاتب كافية لموظفي قلم المحكمة مع تخصيص غرفة لرئيسها، توفير غرفة للمحامين لتمكنهم من التحدث مع موكليهم.

3ـ إزالة الموانع التي تقف أمام المواطنين في اللجوء إلى القضاء وتتمثل في: إلتزام الدولة بإنشاء المحاكم الكافية  لتسهل على المواطنين تكبد مشاق الوصول إليها. سرعة رفع الحصانة لمن يتمتع بها من المتهمين. سرعة الفصل في الدعاوى. معقولية الرسوم القضائية. ضمان مبدأ الدفاع.

إن الدمار الذي أصاب السلطة القضائية في عهد نظام الجبهة الإسلامية القومية، والذي تمثل في تبعيتها المطلقة للجهازين التشريعي والتنفيذي وتدخلهما السافر في توجيه قراراته وأحكامه، الأمر الذي شل قدرة  السلطة القضائية في التصدي لجرائم الفساد بمختلف أشكالها مما يتطلب الكثير من الجهد في إعادة بنائها وفق أسس محترمة تستند على تجارب الدول التي تحترم مواطنيها حتى تقوم بدورها الدستوري في حماية حقوق الإنسان السوداني الذي عانى الظلم كثيرا في نفسه وماله واستقراره.* للمزيد أرجع لبرنامج السياسات البديلة. ورقة إعادة هيكلة السلطة القضائية.*

 

                                      إعادة بناء وهيكلة المؤسسة العسكرية

تأسس الجيش السوداني في العام 1925م، على أساس جهوي وعشائري  وكان يتكون من عدة فرق منها: العرب الشرقية والعرب الغربية والهجانة والاستوائية، وعرف بقوة دفاع السودان، خاض كثير من المعارك خارج تراب الوطن، واكتسب خبرة قتالية تراكمية نسبة لهذه الحروب الخارجية قبل وبعد الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من جهوية تكوينه إلا أن صبغة القومية كانت الصفة التي تميزه إلى أن اندلعت الحرب في الجنوب فتحولت عقيدته من القومية في حماية الوطن إلى حماية الأنظمة السياسية، فجسدت حرب الجنوب مثالا حيا لهذه العقيدة في قمع شعبه وأداة قتل باطشة لأي تحرك تقوم به الأقاليم ذات الظروف المشابهة مستقبلا.

وما أن اسدل الستار على حرب الجنوب بموجب اتفاقية سلام نيفاشا حتى تم توجيهه إلى قمع مواطنيه في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، حانثا عن قسمه في أداء واجباته الدستورية عن حماية حدود الوطن من العدو الخارجي، وحماية المواطنين إذا ما تعرضوا لأي مخاطر تهدد أمنهم واستقرارهم، فأصبحت قياداته تنتمي لاثنيات بعينها تم منحها امتيازات تعتبر بمثابة رشى سياسية للمحافظة على الأنظمة القائمة والدفاع عنها وبالتالي المحافظة على وضعهم وامتيازاتهم الشخصية. بل القيام أصالة ووكالة بإعادة تدوير طواحين الهواء السياسية التي جعلت من السودان وشعبه فئران تجارب لمختلف الأيديولوجيات والمعتقدات.

 دخل الجيش عن طريق بعض الطامحين من منسوبيه منذ فجر الاستقلال إلى مضمار الصراع السياسي لخدمة أجندة الأحزاب السياسية التي كانت تقف من وراء المؤدلجين من قادة المؤسسة العسكرية ودفعهم نحو الاستيلاء على السلطة في ظل التنافس الحزبي الذي لا يراعي مصلحة البلاد. بل مصلحة الأنظمة الحزبية التي تمسك بزمام السلطة المركزية، فاستخدمت بعض قاداته استخداما خاطئا بعيدا عن دورهم الوطني الذي يؤمن به كل من انتسب إلى هذه المؤسسة، فأصبحوا أداتها التي تبطش بها في مواجهة وقمع أي مطالب تتعلق بالمشاركة في صنع القرار السياسي لإدارة الدولة. حتى بلغت المؤسسة العسكرية قمة تدهورها المهني في عهد نظام الجبهة الإسلامية القومية عندما بدأ بتصفية الجيش من كوادره الوطنية المؤهلة وإحلال محلهم أهل الثقة والولاء، ونتيجة لغياب المهنية والانضباط العسكري انهار الجيش تماما وصار مليشيا حزبية تأتمر بأوامر قادة الجبهة الإسلامية القومية.

والمثال الصارخ لهذا الانهيار الذي حل بالمؤسسة العسكرية هو إنشاء مليشيا الجنجويد التي عُرفت مؤخرا بـ "قوات الدعم السريع" ومنحها تسليحا متفوقا وصلاحيات واسعة تفوق تلك التي يملكها الجيش، وتم إطلاق يدها في تحد سافر لكل القيم الأخلاقية والإنسانية لتقتل وتغتصب وتنهب وتروع المدنيين باعتبارهم الظهير الشعبي الداعم للحركات المسلحة التي تقاتل نظام الجبهة الإسلامية القومية، ومنح أفرادها الرتب العسكرية التي تحصنهم من الخضوع لأي مسألة ومحاسبة قانونية.

 إن الجدل الذي تريد به السلطة تغبيش وعي الرأي العام المحلي والدولي حول تبعية وبالتالي شرعية هذه المليشيا المأجورة بموجب عقود المقاولة التي موضوعها استباحة حرمة النفس والعرض والمال لا يعدو أن يكون مجرد مغالطة عرجاء لا تصمد أمام نصوص الدستور الانتقالي لسنة 2005م، الذي عرف القوات المسلحة تعريفا نافيا لكل جهالة، وحدد مهام واختصاصات جهاز الأمن الوطني والمخابرات، الأمرالذي يجعل منها مليشيا غير شرعية يجب حلها وتصفيتها وتقديم قادتها ومؤسسيها وداعميها والمروجين لها إلى المحاكمات.  

وحتى يحفظ التاريخ للعسكريين الذي دافعوا عن الديمقراطية والتزموا المهنية في أداء واجباتهم العسكرية تقتضي قواعد الانصاف إلا ننظر إلى المؤسسة العسكرية كمنظومة واحدة ذات مصالح اقتصادية وتطلعات مشتركة. لقد أثبتت التجربة التاريخية أن بعض كبار الجنرالات والضباط قد انحازوا إلى الحكومات المركزية مدنية كانت أم عسكرية في حروباتها المتعددة ضد الهامش الجغرافي منطلقين من مصالحهم الضيقة والمكاسب التي حققوها من علاوات الحرب والصفقات التي نالوها من تجارة السلاح وبما أغتنموه من الاتجار بالأخشاب وجلود الحيوانات وسن الفيل وغيرها من ضروب التجارة. إلا أن الغالبية العظمى من صغار الضباط الذين ينتمون إلى القطاعات الشعبية يتفاعلون ويتضامنون مع قضاياهم وتطلعاتهم كما أثبتت تجربتي أكتوبر 1964م، وأبريل 1985م.

وحتى نجنب بلادنا ويلات تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي لابد من إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية ومهنية، وإعادة صياغة عقيدتها العسكرية على قاعدة الانتماء للوطن، وتحديد مهامها واختصاصاتها بعيدًا عن التجاذبات الحزبية والصراعات السياسية، بحيث تخضع فقط للتسلسل القيادي المؤسسي الذي يحكمه الانضباط العسكري لخدمة الوطن ومواطنيه وفقا للدستور.إضافة إلى ذلك تري الجبهة السودانية للتغيير التالي من خطوات: 

1ـ لابد من وضع الأسس الدستورية والقانونية لبناء المؤسسة العسكرية وطنيا ومهنيا.

2ـ وضع أسس صارمة لتحييد المؤسسة العسكرية عن الحياة الحزبية والسياسية وتجنب استيعاب أفراد الحركات المسلحة ذات الطابع السياسي فيه كما حدث في أنانيا الأولي وأبوجا.

3ـ وضع أسس واضحة لعقيدة عسكرية وطنية قومية.

4ـ  إعادة كل المقصيين والمبعدين قسرا بما تسمح به قوانين المؤسسة العسكرية مع التعويض العادل بناء على شروط التعاقد والخدمة العسكرية.

5ـ وضع الأسس التي تضمن حياة كريمة لأفراد المؤسسة العسكرية.

6ـ العمل على إعادة التوازن بين احتياجات الرتب الرفيعة والرتب الدنيا على مستوى المعيشه.

7ـ إعادة النظر في القوانين العسكرية بما فيها قانون التعاقد وقانون الخدمة العسكرية.

8ـ إعادة النظر في المؤسسات الخدمية والاقتصادية التي تتبع للمؤسسة العسكرية.

9ـ وضع أسس لضمان إبعاد الجيش من المدن ومناطق سكن المدنيين.

10ـ لابد من مراعاة تمثيل كل أبناء وبنات الشعب السوداني لضمان قومية المؤسسة العسكرية.

11ـ  على المؤسسة العسكرية أن تساهم في بناء الوطن عن طريق وحداتها المتخصصة كالأشغال العسكرية والسلاح الطبي وغيرها من الوحدات المنتجة.

12ـ يجب أن تكون كل الأسلحة القتالية بيد المؤسسة العسكرية. وأن يتم تصفية المليشيات وتجريدها من أسلحتها وإعادة تأهيلهم ليسهموا في بناء الوطن.

13ـ يجب أن توضع الدراسات الكفيلة بتعداد قوة أفراد المؤسسة العسكرية حسب حاجة الدولة إليها منعا لترهلها مما يؤدي إلى إرهاق الخزينة العامة.

14ـ إعادة تأهيل المقاتلين بدنيا ونفسيا للتخلص من آثار ما يعرف "بصدمة الحرب" لكي يسهموا في إعادة إعمار البلاد.

 

                                             العقد الاجتماعي

 السياسات الإقصائية في السودان منذ الاستقلال، قادت إلى تأصيل التطهير الثقافي وتدمير الاقتصاد الوطني، وأدى ذلك إلى الفشل في إدارة البلاد، والفشل في تماسك وحدتها. وبما أن منهج إدارة الدولة السودانية قد قام على المزاج العاطفي الإقصائي الذي أدى إلى الفشل الكلي  للدولة، وفي ذات الوقت أصبح التشظي صفة ملازمة لكل الأحزاب والتنظيمات السياسية السودانية دون استثناء، الحاكمة منها والمعارضة، فحالة السودان هذه تقودنا للقول بأن البلاد تعيش في أزمة ضمير. بالتالي نمى إلى قناعتنا أنه لا يوجد حل سوى أن تقف جميع الأجيال الحالية وقفة متأنية وصادقة لإعادة تشكيل الدولة السودانية بأسس مجمع عليها من كل مواطنيها. لأن ما نحتاج إليه اليوم قبل أن نتحدث عن الحرية والديمقراطية والتنمية، هو العمل على وضع دستور يرضي عنه كل أبناء السودان على إختلاف أعراقهم ودياناتهم وأقاليمهم. علماً أن الديمقراطية لا يمكن ممارستها على أسس سليمة دون وجود مؤسسات دستورية وسياسية تمارس الديمقراطية من خلالها، وفي ذات الوقت لا يمكن للتنمية أن تتحقق إلا في ظل ظروف أمنية مستتبة واستقرار سياسي مستدام. مثل هذا الدستور لا بد أن يقام على تعاقد اجتماعي لعنصر التجمع البشري السوداني (جميع الشعوب السودانية).

فالصراع السياسي القائم اليوم في السودان، هو صراع حول كيفية وضع دستور دائم للبلاد. ولن يتم وضع حدا لهذا الصراع ما لم يتول أمره  كل مكونات المجتمعات السودانية صاحبة السيادة الوطنية، لتمارس حقها بمطلق الحرية في تعاقد اجتماعي يُتفّق عليه حول ملامح الدستور الأساسية، فالحل إذاً يكمن في العقد الاجتماعي. لأن الدستور هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة. ففي الأساس تكمن مهام العقد الاجتماعي في أن تضع المبادئ الأساسية للدستور. فوثيقة ماقنا كارتا لسنة 1215م في إنجلترا، أي وثيقة الشرعة الكبرى أو ما يسمى بالميثاق العظيم للحريات، تعتبر من أهم الوثائق القانونية في تاريخ الديمقراطية، إذ كانت لها نفوذ على نطاق واسع في العملية التاريخية التي أدت إلى سيادة القانون الدستوري اليوم في العالم المتحضر المستقر.

فالحروبات أياً كانت أنواعها - كحالة السودان اليوم - تقضي تماماً على حق البقاء الإنساني، مما يجعل مجموعات غفيرة من البشر أن تهرب منها إلى أماكن أخرى طلباً للمأوى من أجل سلامة أرواحهم من شرور الحروب. إذاً حق البقاء – الحياة -هو أساس الحقوق البشرية، إذ تأتي قبل الحقوق المدنية، كحق التنقل والتملك وحق المساواة في القيمة البشرية. من هذا المنطلق فإن حاجة المجتمع المدني إلى السلطة الحاكمة أو الدولة، هي الحاجة للمحافظة على الحياة والحرية والملكية، وهي حقوق مهددة بالتعدي. فبموجب التعاقد تتحول المجتمعات التي في حالة علاقات العداء والصراع فيما بينها، إلى مجتمعات المجتمع المدني المتحضر وذلك بتوفير حق أي فرد وأي جماعة للبقاء، وهذا هو التوجه نحو التربية الوطنية الحقة التي تقود إلى حب الوطن. إذاً تأتي الحياة الاجتماعية المستقرة لا من ضرورة لصيقة بطبيعة الإنسان وإنما من عقد إرادي يُبرم بين أفراد الجماعة، وبمجرد إبرام هذا العقد يصبح ذلك أساس الدولة، وأساس سلطة الدولة أي السيادة، ومن ثمّ أساس الحريات الفردية والجماعية. الجدير بالذكر أن البرلمانات الثلاث في السودان، في الفترة ما بعد الاستقلال كانت أصلاً جمعيات تأسيسية الغرض منها هو صناعة الدستور الدائم للبلاد، لكنها فشلت في القيام بمهامها. إن مفهوم العقد الاجتماعي، الذي يعني في معناه العام، إبرام اتفاق بين الناس الذين جمعتهم رقعة جغرافية محددة، بموجبه يتحدون ويكونون هيئة معنوية تسمى دولة، يصبحون رعاياها ومواطنون فيها، يتساوون في الحقوق والواجبات، هو ما يحتاج إليه السودانيون اليوم قبل الحديث عن من يحكم أو عن التنمية.

في عصرنا هذا، ليس بالضرورة أن يطبق مفهوم العقد الاجتماعي باتباع نفس الخطوات التي تمت في أوروبا في القرون الماضية. الذي يهم، الآن هو أن تجتمع كل شعوب السودان المختلفة ليمثلوا أقاليمهم، في مؤتمر جامع وبإرادتهم الحرة ليعبروا عن مصالحهم، ففي ذلك يجمعون على إجابة سؤال محوري، وهو كيف لهم أن يعيشوا في هذه الرقعة الجغرافية في أمن وسلام دائمين؟ أو بصورة أخرى، ما هي الشروط التي تجعلهم يعيشون مع بعض في دولة واحدة؟ هذا يتم عندما يقوم المجتمعون بإبعاد كل المسائل التي تفرق بين الناس من أية عملية دستورية، سواءً كانت تلك المسائل قائمة على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون أو الإقليم أو القبيلة أو الخلفية الثقافية. إذاً عملية العقد الاجتماعي، هي اللبنة الأساسية لوضع دستور دائم للبلاد، أو قل هي الدستور بعينه. ولا يتم التوافق في إبعاد المسائل التي تفرقهم إلا عندما يرسخ في قناعة المجتمعين أن وضع السودان الحالي حتماً سيقود إلى مستقبل مظلم للغاية، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجه. وبالتالي يتوصل المجتمعون بأن صنع الدستور الدائم الذي ينبع من عملية التعاقد الاجتماعي هو الذي يحقق بناء وطن يدين له جميع أبنائه بالمحبة والولاء والإنتماء، إذ أنه من شأن ذلك أن يضع السودان في أعتاب طريق التنمية والرفاهية لجميع مواطنيه.

 

ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع لبرنامج السياسات البديلة.

 

 

                                                 الوحدة

 وحدة الثقافة أو الدين أو العرق أو الإقليم لا تمنع من نشوب الصراعات والنزاعات، الأمر الذي يدعو للنظر إلي واقع السودان من زوايا التعدد والاختلاف للوصول إلي القوانين التي تنظم العلاقات في مستوى تعددها واختلافها، وهذا هو جوهر الوحدة وفق مفهوم الجبهة السودانية للتغيير شريطة أن تتوفر مقوماتها، وأهمها الاعتراف وقبول واقع التباين العرقي والديني والثقافي ونمط الحياة وسبل كسب العيش في كل شبر من الوطن الكبير، وأن تكون المواطنة هي المقياس الوحيد للحقوق والواجبات، وأن يتم الإعتراف واحترام ودعم كل موروثات هذه الشعوب لتحقيق شعار الوحدة في إطار التنوع. من هذا المنطلق، يجب النظر إلى الوحدة الوطنية من منظور التعدد الثقافي والتنوع الإثني كهوية وطنية، وبهذا المفهوم تبقى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة شرطاًن أساسياًن لبقاء وديمومة دولة الوحدة.

المعالجات من وجه نظر الجبهة السودانية للتغيير، تكمن  في الآتي:

أولا: العقد الاجتماعي، ويعني في تبسط شديد قبول الشعوب السودانية عن إرادة حرة أن تعيش فيما بينها على هذه الرقعة من الأرض التي تسمى السودان.

ثانيا: أن تشترك هذه الشعوب في كتابة دستورها وأن تُستفى عليه لاجازته.

ثالثا: مراجعة وتصحيح الأخطاء التي لازمت صياغة تاريخ الشعوب السودانية. وإعادة الاعتبار للمكون الأفريقي للشخصية السودانية.

رابعا: التركيز على وحدة المصالح المشتركة. ان لا ترتبط فقط بالموارد الطبيعية وان ترتبط بالموارد البشرية في عدالة توزيع تلك الموارد.

رابعا: الاعتذار الواضح والصريح عن كل الفظائع والموبقات التي تم ارتكابها بحق هذه الشعوب مع التعويض العادل. والمقصود بالاعتذار على النخب التي تعاقبت على حكم الدولة السودانية أن تقول به صراحة.

خامسا: الشروع في بناء المشاريع القومية التي تستنهض الهمم وتخاطب قومية الجميع. عبر استثمار المورد البشري.

سادسا: التعامل الصارم مع العنصرية بكافة أشكالها والحديث العلني عنها لفضحها والتعامل الجاد في انهاءها. عبر وضع نصوص واضحة لسن قوانين صارمة تجرم ممارستها فعلا أو قولا تصريحا أو تلميحا.

 

                                     الهوية الوطنية

 الواقع المعاش أن الناس لا تستطيع أن تتعايش فوق رقعة جغرافية واحدة، فيها يتبادلون المنافع وينظمون شئون حياتهم الكثيرة، دون أن تكون تلك المعاملات قائمة على رؤية العيش المشترك – أي الإعتراف بالهوية الوطنية الموحدة، يشارك في تأسيسها كل المجتمعات داخل تلك الرقعة، وذلك بهدف البقاء والمعاش والأمن والرفاهية. لكن إشكالية الهوية القومية في السودان، هي إقحام ما يعرف بـالمد الحضاري العربي الإسلامي، الذي من أهدافه بالطبع إعادة إنتاج الإنسان السوداني داخل الهوية الإسلاموعربية. هذا التوجه يعمل على إسقاط التمايز العرقي وإنكار الخصائص والموروثات الثقافية والروحية، وهذا بالطبع يعكس نظرة الوصاية والإستعلاء العرقي والثقافي والديني، وما يترتب على ذلك من إجهاض للحقوق السياسية. الشاهد في الأمر، أن في عصرنا هذا ترتبط هوية الشخص بكيانه السياسي، أي بحدود الدولة السياسية التي يعيش داخلها بغض النظر عن عرقه أو لغته أو دينه. الجميع متفقون على أن السودان بلد متعدد الأعراق، والديانات، والثقافات، واللغات. وهذا واقع لا يمكن إلغاؤه أو تجاهله. لذلك عندما تُبعد كل المسائل الخلافية بحيث لا تتدخل في إدارة شئون الدولة دستورياً، ويبقى القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع السودانيين هو البقعة الجغرافية أي السودان، حينئذ تصبح الهوية القومية للسودانيين التي لا خلاف فيها هي السودانوية.

 

                                 إعادة بناء وإصلاح جهاز الخدمة العامة

إن المرفق الإداري التنفيذي أو الخدمة العامة أضحت في عهد نظام حكومة الجبهة الإسلامية القومية مؤسسة حزبية صرفة لاعتبارات أعلنها وجاهر بها قادة النظام الإنقاذي تحت راية التمكين، ونتيجة لهذا النهج التمكيني أقصي عن الخدمة العامة عدد كبير من الموظفين والعاملين في أجهزة الخدمة المدنية بما في ذلك القضاة وضباط الجيش والشرطة غير المنتمين لتنظيم الجبهة الإسلامية القومية. بلغ عدد الموظفين والعاملين في المرافق المختلفة الذين إحيلوا للاستيداع بدواعي الصالح العام في الفترة ما بين يوليو 1989م، وحتى سبتمبر 1993م، (76,640). ستة وسبعين ألفا وستمائة وأربعين موظفا عموميا. وحل مكانهم أهل الثقة والولاء الحزبي على حساب الكفاءة والمقدرات العلمية الأمر الذي أدى إلى تدهور الخدمة المدنية وانهيارها.

ترى الجبهة السودانية للتغيير بأن إعادة بناء وإصلاح الخدمة المدنية لا يمر إلا من بوابة المراجعة الشاملة لكل الوحدات الإدارية والخدمية التي تشكل في مجموعها جهاز الخدمة المدنية العامة لإعادة هيكلتها وفقا للأسس الإدارية السليمة التي تستند في مرجعيتها على إرثنا وتجاربنا كدولة رائدة في هذا المجال مستصحبة معها تجارب الدول التي تقدمت علينا. لأن جوهر واجبات أي حكومة رشيدة تجاه خدمة ورفاه شعبها لا تقوم إلا بتكامل عنصرها السياسي الذي يرسم السياسات العامة للدولة وعنصرها الإداري التنفيذي ممثلا في الخدمة العامة الذي يمد المسؤول السياسي بالمعلومات الموضوعية لتكون المحصلة النهائية هي خدمة شعوبها. وحتى تعود الخدمة العامة كجهاز تنفيذي فاعل تري الجبهة السودانية للتغيير أيضا الآتي:

1ـ إعادة المفصولين من الخدمة العامة إلى وظائفهم السابقة، مع تعويض الذين لا يرغبون في العودة إليها، والذين تتطلب وظائفهم الإستمرارية أو إعادة تأهيلهم لشغل وظائفهم السابقة من جديد.

2ـ  إقرار مبدأ التنافس النزيه لشغل الوظائف العامة. مع معالجة المفارقات في عدم التكافؤ في التعيين بين الأقاليم المختلفة.

3ـ إشتراط الكفاءة وصقلها بالتدريب العلمي الذي تتطلبه الوظيفة العامة مع توافر الحالة البدنية والنفسية والصحية التي تتطلبها بعض الوظائف.

4ـ عدم ممارسة العنصرية أو التفرقة أو التمييز ضد أي سوداني مؤهل على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الجهة.

5ـ توفير فرص تدريب وتأهيل إضافية للمتأثرين بالحروب وإفرازاتها.

6ـ  اتباع التمييز الايجابي لاتاحة الفرص للأقاليم المتأثرة بالنزاعات والحروب مع توفير التدريب الوظيفي لرفع كفاءتهم ومقدراتهم.  

7ـ دراسة إمكانية إعادة تكوين (لجنة الإختيار للخدمة العامة) كجهة محايدة لمراقبة التشغيل والتوظيف وفق معايير الكفاءة والتنافس.   

 

 

 

                                          الاقتصاد الوطني

 تتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد وتتشابك حلقاتها كل يوم، وتتجلى أبرز مظاهرها في سيطرة القطاعات الغير منتجة على حساب قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، وكذلك تدمير ثروات البلاد وإهدار الناتج القومي المنحصر في انفاق تعسفي مكرس لإثرياء الجبهة القومية الإسلامية وشركائهم من الرأسمالية الطفيلية، ومكرس أيضاً وبشكل خاص على الصرف المتزايد على جهاز الدولة المترهل وعلى تعزيز أجهزة الأمن والجيش والقوات الخاصة للدفاع عن النظام ولقمع وبطش الحركة الجماهيرية.

هذا التوحش الطفيلي يتزامن مع سعي السلطة الغاشمة المتواصل لإلغاء دور الدولة ورفع يدها عن واجباتها الأساسية تجاه الخدمات خاصة التعليم والصحة والإسكان، مع تصفيته للقطاع العام وما ترتب على ذلك من تدمير القطاع الزراعي والصناعي وقطاع النقل وبيع أرصدته لمنسوبي الجبهة القومية الإسلامية ومحاسيبهم، والتفريط ببيع أراضي السودان للأجانب بأبخس الأثمان مع تفشي الفساد واستباحة المال العام.

أدى ذلك إلى تدهور الأحوال المعيشية لغالبية أهل السودان حتى وصلت درجة الفقر إلى 95% فتفشت الفاقة والحاجة والمرض وتهتك النسيج الاجتماعي.

ولمجابهة هذا الوضع المتردي ترى الجبهة السودانية للتغيير:-

  • ضرورة الاسراع لوقف هذا الانهيار الشامل للاقتصاد الوطني باتباع سياسة اسعافية على المدى القصير، وسياسة تأهيلية على المدى المتوسط وسياسة تنموية شاملة على المدى البعيد في مؤتمر القاهرة وذلك.

  •  (1) باستعادة دور القطاع العام وتنمية القطاع المنتج بتأهيل مشروع الجزيرة ومشاريع الزراعة الآلية – والقطاع الصناعي وقطاع النقل والمواصلات.

  •  (2) الحد من درجة الفقر ومحاربته بإعادة تنمية قطاع الزراعة المطرية (القطاع التقليدي بشقيه النباتي والحيواني) وإعطاء الأسبقية للتنمية في المناطق التي تأثرت بالحروب الأهلية والدمار الشامل.

  • (3) تقليص جهاز الدولة المترهل والمتضخم وإعادة ترتيب أولويات الصرف العام بحيث تستأثر الصحة والتعليم والإسكان وتوفير مياه الشرب بالنصيب الأوفر على حساب الصرف على الجهاز السيادي والتنفيذي والأمني (حالياً يصرف على الجهاز السيادي والأمني 78% ويصرف على الخدمات 2.9%) وحماية ميزانية الصرف على هذه القطاعات بحيث لا يجوز التصرف في ميزانياتها على أوجه خارج نطاق أهدافها (Ringfenced).

  •  (4) يتزامن ذلك مع وضع برنامج للضمانات الاجتماعية وإحداث تشريعات تؤمن للعاملين وذو الدخل المحدود القدرة على الاستمرار في الحياة. وكذلك مراجعة السياسات الضريبية الغير مباشرة مما يخفف وطأتها على الشرائح الشعبية ويحقق تخفيض واستقرار الأسعار.

  • أن تركيزنا على دور الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لا يغفل دور القطاع الخاص ومشاركته في عملية التنمية، ولكن ذلك الدور يجب أن يتم تحت مظلة رقابة الدولة التي يجب أن تحتوي على آليات للتخطيط الاجتماعي والرقابة المالية وأوليات التنمية. نبتعد في ذلك عن الجدل الدوغمائي حول فضائل القطاع العام عن الخاص وعن الإعتبارات الأيديولوجية على حساب إعتبارات الكفاءة والفعالية الاقتصادية بمعناها الواسع، أي طريقة الإنتاج، ارتفاع مستوى الإنتاجية، جودة المنتوج والقدرة على توزيعه. تشجيع القطاع الخاص يجب أن يواكب بوضع ضوابط وتشريعات:- تكفل حق التنظيم النقابي الحر وتقنين حق الإضراب للعاملين ذوداً عن مصالحهم في مواجهة أرباب العمل. كما تكفل بناء نظام عادل للضمان الاجتماعي يحقق للعاطلين عن العمل الحصول على إعانات منتظمة تعادل الحد الأدنى لتكلفة المعيشة طوال مدة بطالتهم. (وهذه مسئولية مشتركة بين الدولة والسوق والقطاع الخاص).

  • وضع برامج طويل المدى للتوظيف والتشغيل خاصة وسط الشباب والخريجين.

  • استرداد المال العام المنهوب وتوظيفه في مجالات التنمية والرعاية الاجتماعية.

  • استعادة دور القطاع التعاوني بين الأفراد والمؤسسات بعيداً عن أجهزة الدولة أو الهيمنة الحزبية.

إننا نسعى لإشاعة مفهوم الاقتصاد الديمقراطي، فهو ديمقراطي في أهدافه وديمقراطي من جهة الإشراف والتحكم، لا تقوم به هيئة مركزية منعزلة عن رقابة الجماهير والمؤسسات ولا يقوم به سوق منفلت يقوم على الربحية على حساب التنمية والخدمات.

ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى برنامج السياسات البديلة.

 

                                العدالة الإجتماعية

 إن العدالة الاجتماعية باعتبارها مبدأ أخلاقيا وسياسيا يلزم الدولة بالتوزيع العادل للثروة القومية بين أفراد المجتمع على اساس المساواة من أجل حياة تليق بالإنسان بوصفه آدميا له حاجات ضرورية لابد من توفيرها، والعدالة الاجتماعية بهذا الوصف والتعريف ليست مفهوما متداولا في تراثنا السياسي السوداني، بل يختزله الكثيرون في مفهوم التكافل الاجتماعي والتضامن الأهلي بعيدا عن التزامات الدولة تجاه المجتمع والفرد، مما دفع بالقائمين على أمر إدارة الدولة السودانية منذ هيمنتهم على السلطة السياسية بتكريس هذا المفهوم والتخلي عن مسؤولياتهم تجاه المواطنين، وذلك بانتهاجهم سياسات اقتصادية تركت آثارا اجتماعية مدمرة، كسياسة التحرير الاقتصادي وحرية السوق بلا ضوابط وسياسة الخصخصة للمنشآت العامة، وبالتال أصبح مفهوم العدالة الاجتماعية خارج حسابات الفاعلين في الحقلين السياسي والاجتماعي.   

ترجع جذور الأزمة الاقتصادية الطاحنة والتفاوت الشديد في النمو الاقتصادي غير المتوازن للسياسات الخاطئة التي مارستها النخب السياسية منذ فجر الاستقلال، والتي أدت إلى المركزية الصارمة والتهميش المتعمد والفشل في الاستجابة لتطلعات الشعوب السودانية في هوامش البلاد وحواضرها. ازدادت هذه السياسة حدة وفجورا بعد استيلاء الحركة الإسلامية على السلطة، حيث وصلت بالبلاد إلى حالة من الفشل التام والانهيار الكامل، فبلغت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 95%، ومن المتوقع أن يصل التضخم إلى أكثر من 60%، فتدنت الانتاجية، وانخفض سعر صرف العملة المحلية وانتشرت البطالة والعوز والفاقة وازدادت الهجرة وتدنت الخدمات واتسع نطاق الحروب الأهلية.

ومع كل هذه الآثار الاقتصادية السالبة التي أدت إلى وجود شعب مكتئب يعاني التفكك المجتمعي والتدهور الأخلاقي ويعتمد على حياة التكاتف المستندة على العلاقات الاجتماعية والأسرية المحدودة، تمضي سلطة الرأسمالية الطفيلية في تكريسها الممنهج لسياسة التفاوت الطبقي والاجتماعي، وتدعو في ذات الوقت السواد الأعظم من الشعب السوداني إلى الصبر على العوز والفقر والمعاناة على أساس أنها ابتلاءات إلهية وقدرية لا فكاك منها. كما أن إدعاءها الذي تبرر به بأن التفاوت الاجتماعي يحافظ على معدلات مرتفعة من الادخار من جانب الأغنياء، ومن ثم يؤدي إلى زيادة معدلات الاستثمار والنمو الذي يستفيد منه الفقراء في نهاية المطاف، يتجاهل واقع الاقتصاد السوداني، ويعتبر إدعاءً مردوداً حتى من أكثر الاقتصاديين الرأسماليين راديكالية.

والحديث المبتور من قبل سلطة الاسلاميين عن التضامن الاجتماعي أو التكافل الاجتماعي الاسلامي أو مصارف الزكاة ــ وحتى هذه المعالجات القاصرة تعرضت للابتزاز والاستغلال والسرقة، هذا الزعم ـ يبتعد عن معالجة جذور وأسباب ومنابع الفقر وعدم المساواة مما نتج عنه التوزيع المختل للدخل والثروة وانحياز السياسات الاقتصادية والاجتماعية لصالح أغنياء الحرب والطفيلية الإسلاموية.

 إن معالجة أسباب الفقر والمعاناة كما ترى الجبهة السودانية للتغيير، تحتاج إلى إجراءات سياسية حاسمة وسريعة تتمثل في:ـ

1ـ وقف الحروب فورا، والتي تستنزف أكثر من 70% من ميزانية وموارد الدولة.

2ـ محاربة الفساد واسترداد المال العام المنهوب.

3ـ تقليص جهاز الدولة المترهل إلى حدوده الأدنى والضرورية.

4ـ إقرار برنامج للتنمية والنهضة الشاملة يستهدف، في المقام الأول تأهيل مشاريع الزراعة المروية والمطرية، حيث تعيش غالبية الشعوب السودانية مع انجاز إصلاح زراعي يعيد توزيع ملكية الأراضي الزراعية في الريف لكي نؤمن لقطاع واسع من صغار المزارعين وفقراء الريف فرص الاستقرار والنهوض بمستوى انتاجهم من خلال التعاونيات الانتاجية الاختيارية، مع التمييز الايجابي للمناطق المتأثرة بالحروب والنزوح.

5ـ إقرار برنامج للتشغيل والتوظيف استنادا على تكافؤ الفرص وفق المؤهلات والمعارف والتجارب العملية.

6ـ تخفيض الأسعار والتقليل من التضخم وحماية سعر صرف العملة المحلية من التدني والتآكل وانهيار قيمتها الشرائية. ويمكن تلخيص مفهوم العدالة الاجتماعية كما تراه الجبهة السودانية للتغيير في التالي:ـ

أـ إن العدالة الاجتماعية هي أهم المقومات الرئيسية للتنمية الوطنية الشاملة. والتي تحتاج بدورها إلى قوى عاملة قادرة على الحفاظ على استمرارية الانتاج، وهذا غير ممكن إذا كانت غالبية القوى العاملة محرومة من مستوى كاف من الغذاء والصحة والتعليم والاستقرار، وغير ذلك من مقومات بناء المقدرة الانتاجية وتناميها، ليترتب على ذلك تحرير الشعوب السودانية من الفقر والحرمان، ومن كل صنوف الظلم والقهر الاجتماعي، ولتمكينهم من إشباع حاجاتهم الإنسانية المشروعة، ومن الحصول على نصيب عادل من ثمار ما يحققه المجتمع من نمو اقتصادي، ومن تضييق الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، وبين المجموعات السكانية.

ب ـ حرصنا على تطبيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر يجعلنا نتمسك بأن تمارس الدولة دورا رياديا في مجال الاستثمار والانتاج وخلق فرص العمل، وتوجيه نشاط السوق لخدمة التنمية، بدلا عن نشاطه الطفيلي والعشوائي، وفي ذلك يجب إشاعة الديمقراطية في كل أجهزة الدولة ومنظمات العاملين درءً للبيروقراطية والفساد واستباحة المال العام.

ج ـ  وتهدف العدالة الاجتماعية إلى إعادة توزيع الدخل من خلال تحميل العبء الأكبر من الضرائب للأغنياء والمقتدرين من جانب، ومن جانب آخر اعتماد سياسة مجانية التعليم والعلاج وانحياز الانفاق العام للفئات الضعيفة ومحدودي الدخل، وبهذا ندعو إلى نشر صيغ العمل التعاوني في مختلف مجالات الانتاج والخدمات والاستهلاك، باعتبار التعاون من الأساليب الفعالة لحماية الفئات المستضعفة في المجتمع من شطط قوى السوق الحر الذي يسعى نحو توسيع الفوارق بين فئات المجتمع وتهميش الفقراء والمحرومين، ونحرص في ذلك على اشاعة الديمقراطية الشعبية في العمل التعاوني، وحمايته من تغول وتسلط الدولة أو الحزب الحاكم.

د ـ لن يتحقق ضمان نجاح مشروع تطبيق العدالة الاجتماعية دون اشاعة الديمقراطية الكاملة وسيادة حكم القانون وانفاذ العدالة الانتقالية ورد الحقوق إلى أهلها، ودفع المظالم والاعتراف الصريح بما اقترفته السلطة من مظالم، ليترتب على ذلك إعادة توزيع الدخل والثروة، وتقريب الفوراق بين الطبقات والفئات الاجتماعية، وعلى انحياز السياسات العامة للفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة، مستندين على برنامج التنمية الشاملة والنهضة الاجتماعية المتكاملة، لضمان استقرار المجتمع ليعيد بناء دولته على أسس العدالة للجميع.

 

                                          الإعلام

 تُعتبر حرية التعبير من أكثر مكونات الحريات الأساسية أهمية لأي مجتمع ديمقراطي. وقد أحتل حق الأفراد في حرية الضمير وحرية المعلومات وحقهم في التعبير الحر عن آرائهم مكانا مرموقا في عدد كبير من وثائق حقوق الإنسان والأعراف الدولية. منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتبر أن حرية التعبير ليست فقط حقا جوهريا في حد ذاته، وإنما هو أيضا حق ذا صلة وثيقة بقدرة المواطنين في السعي من أجل الحصول والتمتع بحقوقهم الأساسية الأخرى، كحق التعليم والرعاية الصحية والسكن الملائم وحق الانخراط في المناشط والتنظيمات الاجتماعية والسياسية.

هذه المواثيق الدولية أعتمدتها كل دولة دستورية كمرجعية ملزمة، واعتبرت حرية الصحافة والإعلام والتعبير الحر حقا مقدسا لا يمكن المساس به تحت أي مبرر كان، وتركت للصحافة ووسائل الإعلام الأخرى مطلق الحرية في ممارسة رسالتها، وذلك من خلال الوسائط الإعلامية المتاحة داخليا وخارجيا، وبالطرق الاحترافية والمهنية السليمة المتفق عليها دوليا ليخاطب العقول لا أن يكون أداة لاثارة العواطف والغرائز التي يسهل تضليلها.

ترى الجبهة السودانية للتغيير ان الإعلام الحر المستقل هو الانعكاس الصادق لديمقراطية فعالة لخدمة قضايا المجتمع، وبالتالي يستطيع أن يقدم مساهمات كبيرة للمؤسسات الديمقراطية التي تعزز المجتمعات الحرة، لأن الإعلام الحر يُعتبر بمثابة الحارس علي مصالح الشعوب من ناحية، ومن ناحية أخرى يعمل كوسيلة اتصال بين الحكومات وشعوبها في نقل آراءها وتصوراتها ومشاكلها بكل تجرد وحيادية ليساعدها في رسم السياسات العامة للدولة.

يحتاج الإعلام في السودان إلى ميثاق شرف إعلامي، وهذا الميثاق لا يضم فقط مبادىء عمل يوقع عليها الإعلاميون والصحافيون طوعا، وإنما يضم مجموعة من المبادرات المؤسسية المتواصلة التي تعزز مثل هذا الميثاق وتحميه، إن الميثاق لا يمكن أن يصبح ساري المفعول هكذا ببساطة، إذ يجب أن يتطور خلال حقبة زمنية حتى يصبح فعالا، وعلى الإعلاميين والصحافيين أنفسهم، عبر منظماتهم المهنية، تقع مسئولية تحديد محتويات ميثاق الشرف هذا.

ومن المسوغات الهامة، التي تتبناها الجبهة السودانية للتغيير لتجعل من ميثاق الشرف الإعلامي صيغة أفضل من تشريع قانون للصحافة والإعلام الذي أثبت عجزه وفشله في معالجة قضايا الصحافة والإعلام ومشاكلها، وتعتبر الجبهة السودانية للتغيير في الوقت ذاته ان تبني صيغة هذا الميثاق يجب أن تترك مهمته للصحافيين والإعلاميين أنفسهم، مما يقلص حجم المخاطر والحساسيات المتصلة بتنظيم الإعلام. إن أي إجراءات تفرض من الخارج ستزيد من قلق العاملين في هذا الحقل، وتزيد مخاوفهم، وتدفعهم للظن بأن أي خطوة لفرض قيد على أحد الموضوعات قد تقود إلى تمهيد الطريق للمزيد من الرقابة، وبالمقابل فإن أي إجراءات تتم في إطار آفاق ميثاق الشرف الإعلامي، يمكن أن تعتبر بمثابة إجراءات لتعزيز مهنة الصحافة والإعلام والارتقاء بها، أكثر من أنها قيود تضرب عليها، على أن تكون المحتويات المحددة لميثاق الشرف الإعلامي شأنا تقرره تلك النقابات.

من خلال هذه التوطئة ترى الجبهة السودانية للتغيير الآتي:ـ

أولا: التأكيد على أن وسائل الإعلام العامة هي ملك الشعوب السودانية، وأن حرية الصحافة والإعلام والنشر ليست حكرا على الصحافيين والإعلاميين، بل للشعوب السودانية أيضا ذلك الحق.

ثانيا: لا يوجد إعلاما حرا ومستقلا دون أن يكون مستقلا ماليا بعيدا عن هيمنة الحكومات، ويقع دعم المؤسسات الإعلامية على عاتق الدولة.

ثالثا: يجب فك الارتباط  بين الإعلام والهيمنة السياسية والاقتصادية التي تفرضها عليه  الحكومات وأن يتم خلق توازنا في الإعلام لانهاء حالة تحيزه لصالح الحكومات.

رابعا: أن المجلس الأعلى للصحافة والإعلام هو صاحب الحق الحصري للقيام بأعباءهما بدلا عن إنشاء وزارة للإعلام تكبله بقوانينها وتجعله تابعا لها وتحتكره لصالح خدمة أجهزة الدولة على حساب قضايا الشعب.

خامسا: يجب أن تكون العقوبات على تجاوز الحرية الصحافية والإعلامية مذكورة على سبيل الحصر، وأن يكون كل مصطلح يتعلق بتحريم ذلك التجاوز واردا في الدستور وأن يكون له مدلول واضح يساعد المحكمة الدستورية على مدى موائمتها مع الدستور.

سادسا: نقترح أن تكون للأفعال الآتية عقوبة واضحة يتكفل بها القانون الجنائي السوداني، وليس قانون خاص بالصحافة والصحافيين والإعلاميين، ومنها:

أ ـ إثارة الكراهية بين مكونات المجتمع.

ب ـ العبارات التي تستبطن العنصرية والتقليل من شأن الآخرين.

ج ـ القدح في الأعراض صراحة أو تلميحا. مع إقرار ميثاق الشرف الإعلامي كقانون أخلاقي يحكم أخلاقيات تلك المهن.

وبالنتيجة فإن حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئي والمقروء والإعلام الإلكتروني المتجدد والمتطور بأشكاله المختلفة هو أحد حقوق المواطن الأساسية من أجل أن يتعرف على ما يتم باسمه وما يعد له من حقوق يستحقها وواجبات يلتزم بها. لذلك فإن حرية الصحافة والإعلام تمثل ضمير الشعوب وصوتها والقوة التي تكشف ظلم وجبروت وفساد الأنظمة الشمولية، وهي الوسيلة الفاعلة لاصطفاف الشعوب خلف قضاياها لتبنيها والدفاع عنها. ففي ظل هذه المهنة النبيلة لابد للإعلام أن يكون حرا ومستقلا وشفافا، ليحتل مكانه بمهنية وجدارة في الدولة كسلطة رابعة وليس كوظيفة تخضع لقانون وشروط الوظائف العامة في الدولة.

 

  ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى برنامج السياسات البديلة.

 

 

                                                الصحة

. ظللنا نتابع بقلق شديد واهتمام بالغ التدهور المريع للخدمات الصحية في السودان في كافة مجالاتها العامة والخدمية والعلاجية والوقائية والسعي الحثيث والمتواصل لتنصل الدولة عن مسؤولياتها في تقديم الخدمات الصحية اللائقة بالمواطن والتي عرفها أهل السودان وتعودوا عليها كحق دستوري عبر سنوات تاريخهم المعاصر فتحولت قضية الخدمات الصحية لمسؤولية فردية يقع عبئها على الفرد والأسرة.

كما نشهد حاليا التدمير المنظم للمؤسسات العلاجية القائمة بتفكيك المستشفيات المركزية والمرجعية وتصفية بعضها بهدف بيعها للقطاع الخاص. ويتفاقم الوضع سوءً بالبلاد باتساع نطاق الحروب الأهلية مما أدى إلى تدمير البيئة وتدمير ما كان موجودا من بنيات تحتية وانعدام المياه الصالحة للشرب وتفشي الوبائيات والأمراض المتوطنة التي كان بعضها قد انقرض في السابق كشلل الأطفال والحمى الصفراء ومرض الكلزار.

وفي وضع كهذا يظل الانفاق العام على الصحة هو الأقل في الدول الأفريقية قاطبة وحتى هذا انخفض من 2,6% إلى 2% من الناتج المحلي، وحاليا انخفض أيضا إلى مقدار 1,2 دولار في السنة على الفرد، وحتى هذه النسبة الضئيلة والمذلة يُستغل بعضها في الصرف على أجور العاملين ومؤسسات الصحة.

وتظل نسبة وفيات الأطفال الرضع "دون الخامسة" من أعلى النسب في إفريقيا 106 طفل من كل ألف. ونسبة سوء التغذية وسط الأطفال في مناطق الحضر1000/407. ونسبة الوفيات وسط الحوامل 590 من كل ألف حالة.

وتنتشر الأمراض المعدية بصورة كارثية، حيث أقرت وزارة الصحة مؤخرا بوفاة أكثر من مليون شخص نتيجة للأمراض التي تسببها نواقل الأمراض وفي مقدمتها الباعوض والذباب والقراد.

إن تدمير الخدمات الصحية وبيئتها لم ينحصر فقط في تغيير هويتها الاجتماعية ونمط الأنشطة التي تزاول فيها فقط وإنما شمل كذلك تشريد الكفاءات الفنية والإدارية والتي تمثل رصيدا مهما ضمن موارد البيئة العلاجية والتعليمية لتلك المؤسسات.

تردي النظام الصحي العام له علاقة مباشرة بموضوع التعليم الطبي والصحي، فلا المرافق الصحية المتهالكة التي تقدم فيها المقومات الأساسية لممارسة الطب بفاعلية ولا المرضى الذين أضيفت لمعاناتهم محنة الجباية يوفران البيئة السوية للتعليم والتدريب الطبي، صاحب ذلك التوسع العشوائي في عدد كليات الطب العامة والخاصة من دون دراسة أو تروي، وفي تجاوز غير مسبوق للأساليب المعروفة في إنشاء مؤسسات التعليم الطبي العالي وذلك لاعتبارات سياسية آنية تهافتا للاستثمار واكتناز الأرباح ولإدعاء الإنجاز والتباهي من دون اعتبار للمخاطر والمهددات التي سوف يعاني منها التعليم الطبي والخدمات لأجيال متعاقبة.

ولذلك لابد من مراجعة تراخيص وأداء كليات الطب والتأكد لمطابقتها للمعايير العالمية للتعليم الطبي وارتباط ذلك بخطط التنمية والتخطيط الاجتماعي.

ولمعالجة الوضع الصحي المتردي ترى الجبهة السودانية للتغيير الآتي:

 

  • تأكيد أن الصحة هي أحد الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان كما ورد في المواثيق الدولية كالبند الثاني من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكما ورد في إعلان المباديء الدستورية لمنظمة الصحة العالمية وكما جاء في المادة السادسة من الدستور الانتقالي لسنة 2005م،.

  • وضع قضية الخدمات الصحية في أولوية أجندة العمل السياسي وألا يُترك النضال حولها على الأطباء والعاملين في الحقل الصحي فقط.

  • قيام مؤتمر يعالج قضية الخدمات الصحية فور سقوط النظام يشارك فيه الأطباء عبر تنظيماتهم المهنية والأكاديمية وممثلو العاملين في الحقل الصحي وممثلو القطاعات الشعبية.

  • إعادة التوازن في الصرف العام وزيادة نسبة الانفاق على الصحة والتعليم بنسبة لا تقل عن 20% على حساب الصرف على الأجهزة الأمنية والسيادية التي تفوق حاليا 78% والتأكيد على دور الدولة في تأمين الرعاية الصحية المتكاملة ووضع الرعاية الصحية الأولية في مقدمة استراتيجية العمل الصحي.

  • وضع برنامج قومي للقضاء على الأمراض المتوطنة والمعدية والأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، والاستفادة من دعم المنظمات العالمية لايجاد موارد إضافية في سبيل تحقيق ذلك تماشيا مع الأهداف الألفية الإنمائية.

  • إعادة ملكية المستشفيات والمرافق الصحية للدولة وتأهيلها بما يجعلها قادرة على تقديم خدمات تستجيب لاحتياجات المرضى وتطلعات جماهير الشعب المشروعة

  • إعادة الاعتبار للكوادر الطبية التي فُصلت للصالح العام ودعوتها للمشاركة والاسهام من جديد في تأهيل وتطوير الخدمات الصحية.

  • مراجعة التوزيع المختل والغير عادل للخدمات الصحية للقوى العاملة التي يرتكز أكثر من 60% منها في العاصمة، والعمل على وقف نزيف الهجرة باستئصال الأسباب الموجبة لها وتهيئة بيئة وظروف العمل وتحسين شروط الاستخدام والتوظيف ومراجعة سياسات الضرائب والجبايات المفروضة على المؤسسات الصحية وعلى العاملين.

  • إعادة الاعتبار والتقدير لمهنة التمريض بوصفها مهنة إنسانية والارتقاء بوضعها الاجتماعي والمادي مع الاهتمام بمسألة التدريب والتأهيل.

  • تحجيم دور القطاع الخاص وإخضاعه لاشراف المؤسسات الصحية ووزارة الصحة والمجلس الطبي.

  • إعادة وأيلولة الإمدادات الطبية لوزارة الصحة بإرجاعها للقطاع العام ومراقبة استيراد الدواء وفق المعايير الدولية ووضعه تحت الاشراف المباشر لوزارة الصحة ووضع الضوابط والتشريعات التي تتحكم في أسعار الدواء وضوابطه مع تشجيع الاستثمار في التصنيع الدوائي والمستلزمات الطبية.

  • مراجعة قطاع التأمين الصحي الذي يتبع حاليا لوزارة الشئون الاجتماعية ويغطي فقط ما نسبته 15% من القوى العاملة في القطاع العام، وحتى في هذا يتحمل المساهمون ما نسبته 75% من المساهمة المباشرة، كما لا يغطي نظام التأمين الصحي القطاع التقليدي  والعاملين في القطاع الخاص. 

هذه بعض الخطوط العامة والهامة وللمزيد يمكن الرجوع لبرنامج الجبهة السودانية للتغيير التفصيلي للإرتقاء بالخدمات الصحية في كافة مجالاتها ضمن برنامجنا في السياسات البديلة.

 

 

                                                 البيئة

 الإهتمام بالحفاظ على البيئة السليمة يعود إلى أن البيئة هي المجال الذي يمارس فيه الإنسان حياته ونشاطاته المختلفة، وبهذا يأتي الإهتمام لمنع تلوث المياه والتربة والهواء ووقف الزحف الصحراوي. لقد أدي التدهور البيئي في السودان بفعل الإنسان إلى درجة الخطر العام في كل أرجاء البلاد، ففي شرق البلاد تحولت أراضي الغابات الغنية إلى أراضي صحراوية بفضل سياسات الزراعة الآلية، وفي غرب السودان قد عم الزحف الصحراوي كل الإقليم مما يعرض إنسان الإقليم والحيوان إلى الإنقراض الكلي كل ذلك نتيجة لإهمال الحكومات الوطنية المتعاقبة لصيانة البيئة. نفس الإهمال ينطبق تماماً في المدن الحضرية خاصة الخرطوم الذي أدى عدم الإهتمام بالهندسة البيئية إلى تلوث بيئي خطير يهدد صحة الإنسان. أما في الجزيرة فإن استخدام المبيدات الفاسدة وإستيراد أصناف فاسدة لبذور القطن سوف يؤدي إلى تلوث أخصب تربة زراعية في البلاد، وما يترتب على ذلك من مأساة اجتماعية واقتصادية. وفي مجال آخر سيؤدي مخلفات النفايات التي دفنت في غرب دارفور  وفي الشمال إلى كارثة إنسانية حقيقية في البلاد.

نجد أن السودان من أكثر الدول تدهورا في الحالة البيئية الأمر الذي هدد صحة وحياة مواطنيه. وتتمثل أكبر المهددات البيئية في الآتي:ـ

1ـ البترول: إن التدهور البيئي الذي صاحب استخراج البترول في السودان بدأ بالتدمير العشوائي للغابات والتهجير القسري للإنسان واستتبع ذلك هجرة الحيوانات البرية من تلك المناطق دون وضع واتباع أي تدابير أو بدائل تساعد على استقرار هؤلاء المواطنين ضحايا التدمير البيئي. ولتغذي آلتها الحربية وتوفر المال السياسي لخدمة مآربها لجأت سلطة الجبهة الإسلامية القومية لاستنزاف المخزون الاستراتيجي لآبار البترول متجاهلين عن عمد دراسات الجدوى ونصائح الخبراء وذلك من أجل تحقيق أكبر قدر من الانتاج في زمن وجيز وتجفيف هذه الآبار قبل الخطوة الحتمية لانفصال الجنوب التي خططوا لها منذ وقت بعيد في أدبياتهم وبرامجهم السياسية. وكان من نتائج عشوائية استخراج البترول تصاعد الغازات السامة بصورة تخطت النسبة المسموح بها صحيا والمعمول بها عالميا الأمر الذي أدى إلى تسريب المياه الجوفية من آبار البترول واختلاطها بالينابيع ومصادر المياه مما أدى إلى تسميم مصادر مياه الشرب وانتشار الطفيليات والبكتيريا المقاومة للعلاج. ترى الجبهة السودانية للتغيير فضح هذه الممارسات الإجرامية حتى لا تتكرر في أجزاء أخرى من البلاد، مع وضع المعالجات العلمية لآثارها وتعويض المتضررين تعويضا عادلا.

2ـ التنقيب العشوائي عن الذهب: نتيجة للأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية القاهرة لجأ بعض المواطنين للتنقيب العشوائي عن الذهب وذلك باستعمال المواد السامة المسرطنة كالزنك والزئبق والساينايد مما أدى إلى ارتفاع الحالات المرضية الخطيرة كالسرطانات، والأمراض المرتبطة بها والموت البطيء للسكان الأحياء من جراء سوء استخدام هذه المواد. كما أدى التنقيب العشوائي عن الذهب إلى تدمير البيئة وسرقة وتدمير الآثار التاريخية كما حدث في مناطق النوبة الشمالية، ولذلك نرى ضرورة وقف هذا التنقيب العشوائي ووضع الضوابط باشراف الدولة على أعمال التنقيب الأهلي من خلال قيام الجمعيات التعاونية المشتركة، وإعمال إجراءات الوقاية والسلامة، ليتزامن ذلك مع فضح النهب المؤسس من قبل شركات الأمن والمجموعات الإسلامية ومراجعة شروط وعقود الشركات ليعود انتاجها لصالح الدولة والمواطن.

3ـ الثروة الغابية: إن جهل الساسة المايويين والإنقاذيين وانعدام وعيهم البيئ أدى إلى هذه الكارثة البيئية التي تعيشها البلاد حاليا، من تدمير هائل للحياة الغابية وذلك بالقطع الجائر للإشجار الأمر الذي حول الغابات الكثيفة التي تتمتع بها أراضي البلاد إلى صحارى جرداء. بالرغم من صدور قانونا للغابات في بدايات القرن العشرين الذي تم بموجبه إنشاء مصلحة الغابات عام 1902م، التي مارست مهامها بقوانين خاصة بها، تلا ذلك قانون الغابات المركزية، كل تلك الإجراءات تؤكد حرص الدولة على البيئة وتوافقها مع المتطلبات الدولية إسهاما منها في المحافظة على كوكب الأرض، وبالرغم من مصادقة حكومة الإنقاذ على اتفاقية تغيير المناخ عام 1992م، التي تهدف إلى الحد من تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وعلى بروتوكول كيوتو في اليابان عام 1997م، الذي يهدف لذات السبب وعلى اتفاقية التنوع الحيوي عام 1992م، التي تهدف إلى صيانة الموارد الطبيعية واستخدامها الاستخدام الأمثل خدمة لسكان هذا الكوكب. إلا أن السودان قد أصبح في عهدهم صحراء قاحلة تتطلب منا جهدا هائلا لإعادة الحياة الغابية إلى سابق عهدها.

4ـ النفايات:  تعتبر عملية دفن النفايات النووية في السودان من أكثر القضايا غموضا بالرغم من وجود شهود أحياء على خبايا هذه الجريمة التي تمت بواسطة إحدى الشركات الألمانية التي دفعت أموالا طائلة للنظام المايوي مقابل دفن المخلفات النووية في شمال السودان، ولا يمنع النفي المتواصل من قبل المسؤولين في العهد المايوي لتلك الواقعة، ومسؤولي النظام الحالي الذي تورط بدوره في عمليات سرية لدفن مواد مشعة ومسرطنة في أجزاء مختلفة من البلاد، بواسطة كبار قادته وسياسييه من الوزراء، وممارسة سياسة غض الطرف  للسماح بدخول المخلفات والنفايات الإلكترونية بالغة الخطورة، والذي يؤكد ذلك هو ظهور حالات كثيرة لمرضى السرطان في تلك المناطق وبعض الأمراض التي تسببها المخلفات الإشعاعية لأن الدفن العميق لها لا يمنع من وصولها إلى سطح التربة، وبالتالي تلويث مصادر المياه وتهديد وجود الكائنات الحية كما يحدث الآن في تلك المناطق المنكوبة. فعليه ترى الجبهة السودانية للتغيير وجوب الاستعانة بالمجتمع الدولي للبحث عن مناطق دفن هذه المخلفات الاشعاعية والتخلص منها وفقا للطرق العلمية السليمة حفاظا على الحياة في تلك المناطق.

 

 

 

 

                                      الإسكان

 لم تحظ أزمة الاسكان منذ الاستقلال بالدراسة والاهتمام اللائق من قبل الحكومات المركزية حيث غاب تماما الحق في السكن اللائق عن جميع الدستاتير والقوانين السابقة والمعمول بها حاليا وتتمثل عجز وفشل السياسات الاسكانية للنظام في الآتي :-

o       عدم وضع قضية الاسكان كأولوية خدمية و كحق أساسي ودستوري .

o       عدم احترام حقوق الشعوب السودانية في بناء مساكنها وتنظيم بيئاتها على النحو الذي تراه مناسباً لثقافاتها ومهاراتها وحاجاتها ورغباتها.

o        عدم الالتزام بحماية حقوق الإنسان  الدولية لـ"السكن اللائق" وكفالة منع اي انتهاكات محتملة لتلك الحقوق.

o       غياب وجود سياسات مفصلة واستراتيجيات ملموسة من قبل الحكومة السودانية تهدف إلى ضمان حق كل المواطنين السودانيين في "السكن اللائق" والعيش في ظل الكرامة والأمن والسلام، كما اتسمت السياسات الإسكانية جميعها بعدم الجدية في تبني سياسة موثقة وواضحة إذ لم تتعد سياسات تلك الحكومات سوى توزيع قطع الأراضى، دون وجود الخدمات والبنية التحتية، ودون أي سياسات واضحة حتى في هذا النطاق الضيق.

o       عدم وجود خطط إسكانية لتلبية حاجة النازحين والمهجرين، نتيجة للحروب والظروف المناخية من تصحر وامطار وسيول ومشاريع تنمية، ولم تغطي السياسات الاسكانية سوى ما نسبته 0.5% من جملة النازحين الذين يقدر عددهم ب 6 مليون نازح وفقا للمؤشرات الأخيرة.

o       عدم تخصيص ميزانية مقدرة لقطاع الاسكان واعتماد صندوق الاسكان  على الأرباح التي يجنيها من الاستثمار في السكن الفاخر في تمويل السكن الشعبي مما أدى الى عدم تناسب العروض المقدمة من المساكن الشعبية مع حجم الطلب الهائل لشريحة سكان العشوائيات و ذوي الدخل المحدود حيث يتم توزيع ما يقارب 200 مسكن سنويا مقابل حاجة أكثر من 15 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

o       عدم تناسب اقساط المساكن الاستثمارية مع متوسط الدخل الشهري للمهنيين العاملين في القطاع الحكومي والخاص.

o       تمركز جل السياسات الاسكانية في العاصمة القومية وغيابها المطلق عن الولايات السودانية المختلفة.

o       افتقار الكثير من أرياف وبوادي السودان الى البنية التحتية التي تشمل خدمات المياه والكهرباء والاتصال، وتقدر الاحصاءات الأخيرة الى أن نسبة السكان المحرومين من خدمات الكهرباء والمياه بـ 64% من جملة عدد السكان.

o       افتقار وجود مراكز للدراسات والبحوث عن واقع الاسكان والتخطيط العمراني ومواد البناء والتربة.

o       عدم وجود احصاءات سكانية مفصلة وعلمية لمعرفة طبيعة التركيبات الديموغرافية لسكان اقاليم السودان المختلفة.

 

كل ما ذكرناه آنفا أدى إلى الوضع الكارثي الذي تعيشة الغالبية العظمى من المواطنين ويتجلى ذلك في الآتي :-

o        تنامي الوضع المأساوي للانسان السوداني في معسكرات النازحين و مخيمات اللجوء.

o       تزايد فقدان الكثير لمنازلهم اثر السيول و الفيضانات الموسمية نتيجة غياب البنية التحتية من تصريف للمياة.

o       تنامي ظاهرة السكن العشوائي نتيجة للحروب والتغيرات المناخية.

o       صعوبة الحصول على مسكن ميسر للمواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود والذين يعيشون تحت خط الفقر مما أدي لازديار ظاهرة التشرد.

o       فقدان كثير من المتضررين لمساكنهم وأراضيهم ومصادر رزقهم نتيجة لقيام مشروعات اقتصادية غير مدروسة، وعدم ربط التعويضات الاسكانية الممنوحة بنمط أساليب حياتهم الاقتصادية والاجتماعية التي كانوا يعيشونها في مناطقهم الأصلية.

o       قيام النظام بمصادرة الميادين العامة والأراضي الزراعية التي تخص الأفراد ونزع وإعادة بيع أراضي المواطنين كقطع استثمارية دون تعويضهم التعويض العادل. أضف إلى ذلك التعامل غير المسؤول للمشاريع العامة وذلك بتخصيصها للأفراد أجانبا كانوا أو محسوبين على النظام مما أضر بالاقتصاد القومي. مع التأكيد في المباشرة الفورية في نزع الأراضي  الأراضي التي سلبت وإرجاع الميادين العامة مع تطويرها لتكون متنفسا للأسر.

 

وتؤكد الجبهة السودانية للتغيير في "حق الانسان السوداني في السكن اللائق" مع توفر الشروط التالية

ü     أمن الحيازة القانوني: الذي ينعم وفقه جميع الأشخاص بدرجة من أمن الحيازة تكفل الحماية القانونية من الإخلاء القسري والمضايقة والتهديدات الأخرى.

ü     القدرة على تحمل تكاليف بناء السكن: بحيث لا تنطوي هذه التكاليف بحيث لا تؤثر على تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى أو الانتقاص منها.

ü     صلاحية السكن الذي يوفر الحيز الكافي والحماية من البرد والرطوبة والحرارة والمطر والريح أو غير ذلك من المخاطر المناخية التي تهدد  الصحة وسلامة المسكن.

ü     إنشاء بنية تحتية من الخدمات والموارد والمرافق والهياكل الأساسية:

تتوفر بفعلها المياه الصالحة للشرب، وتوفير الطاقة، ومرافق التصريف الصحي والتعامل مع النفايات، ووسائل إصحاح البيئة.

ü     تيسر تلبية الاحتياجات وذلك بأن يأخذ السكن في الحسبان الاحتياجات المحددة للفئات المحرومة والمهمشة (مثل الفقراء، ذوي الأحتياجات الخاصة، وضحايا الكوارث الطبيعية والحروب وضحايا النزوح).

ü     سلامة  الموقع:

أن يكون السكن في موقع يتيح الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية والمدارس ومراكز رعاية الطفل وغير ذلك من المرافق الاجتماعية، وألا يكون مبنياً في موقع ملوث أو في موقع قريب من مصادر التلوث او في المواقع المعرضة لجريان السيول و الفيضانات، مع وجوب توفير الخدمات العامة و البنية التحتية المتمثلة في النقل و الكهرباء و المياه و الصرف الصحي و الانارة في جميع المجمعات السكنية.

 وعليه فاننا نناشد جميع فئات المجتمع، وخصوصا المتضررين من سياسات التخطيط العمراني والإسكان الحالية، كما نناشد الكيانات الهندسية و المعمارية و القانونية والسياسية والاجتماعية المختلفة للدفاع عن "حق الانسان السوداني في السكن اللائق" مع الاتفاق بضرورة المطالبة بتضمينها في الدستور الذي يجب أن يشارك في صياغته جميع قطاعات المجتمع السوداني.

ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى برنامج السياسات البديلة.

 

                                            المرأة

 إن وضع المرأة يجب أن يقوم على أساس أن حرية المرأة لا تتحقق إلا من خلال النظر إليها كإنسان أولاً، وثانياً على أنها في قدر من الاستقلالية الفكرية والمادية، ومن ثمّ العمل على تذويب الفوارق التاريخية بينها وبين الرجل، تلك الفوارق التي أسست لها الأفكار والأنظمة ذات الأيدولوجية والمعتقدات اليمينية، وذلك بإدراجها حقوق المرأة السودانية في منظومة التهميش الممنهج، والذي انتظم أجزاء واسعة وجماعات وطنية بعينها، وزاد من ذلك النهج النظام الإسلاموي الحالي الذي سعى حثيثاً بطرد المرأة من مجالات الحياة الفاعلة بسن القوانين القمعية، والتي تحاسب على النوايا بالإهانة لكرامة المرأة ونهج العنف الجنسي والاغتصاب كعقوبة سياسة وتعدد الزوجات كسياسة دولة.

يرتبط الوضع الحالي للمرأة في السودان ارتباطا وثيقا بدورها الفاعل في المجتمع كمنتج يساهم بنسبة مقدرة من الانتاج الاقتصادي وقوة العمل، بالاضافة إلى إسهامها الاجتماعي والأسري ومشاركتها في الأنشطة السياسية. هذا الدور النشط والفاعل يعرضها لكثير من المخاطر من القوى اليمنية والرجعية التي تريد تحجيمها وتأطيرها في قالب محدد يشكل الخروج عليه تعديا على ما يطلقون عليه الثوابت المجتمعية والدينية، مما يعرض المرأة لأشكال مختلفة للتمييز (الانتهاكات)، تحت ذرائع ومسوغات منها: الدين، العرق، النوع، القومية، الانتماء الجهوي، والموقف الأيديولوجي ـ السياسي، كل تلك العناصر تشكل في مجملها أبرز التحديات التي تواجه المرأة في السودان.

ومن أبرز أشكال التمييز التي تواجهه المرأة السودانية.

1ـ التحامل: وهو تعمد حرمان المرأة من المعاملة العادلة والموضوعية ميلا لتفسيرات سلبية المحتوى غير مدعومة بمبررات وأسانيد كافية ومقنعة.

2ـ الحط من الكرامة: وينطوي على تعبيرات صريحة وضمنية تحتوي على الحط من آدمية المرأة وتحقيرها، وذلك بجعلها دائما في موقف ظل الرجل والرافعة التي يعتمد عليها في نجاحاته وتعظيم شأنه.

3ـ التعصب الديني تجاهها: وهو التشدد أو المبالغة في الأحكام والمواقف وبخاصة الدينية التي تنطوي على مواقف قيمية وأخلاقية متشددة.

4ـ العنصرية: تتضمن التحقير والأحكام السلبية المعممة على المرأة بسبب كينونتها ومعتقداتها وعملها وكل ما يشكل لها الاستقلالية بوصفها إنسان مستقل.

 

5ـ ممارسة العنف ضدها: وينطوي على الدعوات الصريحة واللجوء للقمع والعنف للحد من دورها وتخويفها للسيطرة عليها.

6ـ تشويه السمعة: وتتمثل في الاستهزاء والسخرية بضرب الأمثال والاسترشاد بالمقولات وما يُعتقد بأنه يندرج في باب الحكمة والأقوال المأثورة، وذلك لاهانة مكانتها وتدمير صورتها في المجال العام.

لهذا اعتبرت الجبهة السودانية للتغيير أن قضايا المرأة من القضايا المحورية، وتصدت لكل محاولات مصادرة حقوقها أو التعرض لها بالانتقاص أو بالمصادرة الجزئية أو الكلية. وترى أن كفالة حقوقها وصيانتها تكمن في الآتي:ـ

أولا: إلغاء كافة القوانين والتشريعات التي تحط من كرامة المرأة.

ثانيا: التمييز الايجابي لصالح المرأة بصفة عامة مع مراعاة اختلاف قضايا المرأة في الريف عنها في الحضر.

ثالثا: المساواة في الأجور لحفظ استقلالية المرأة المالية. والإقرار بأن للمرأة ذمة مالية مستقلة.

رابعا: العمل على تقنين سن الزواج وسن التشريعات والعقوبات المشددة لمن يخالف تلك القوانين

 خامسا: تفعيل القوانين التي تجرم عملية الختان ومعاقبة كل المخالفين لها.

سادسا: المراجعة الشاملة لقوانين الأحوال الشخصية إنصافا للمرأة وحفظا لحقها في مؤسسة الزواج.

تتبنى الجبهة السودانية للتغيير سياسة وطنية تقوم على دراسات علمية للحفاظ على الصحة العامة والإدارة السليمة للأراضي وحاربة الزحف الصحراوي والحماية من الإشعاعات والتخلص الآمن من الملوثات الصلبة.

 

ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى برنامج السياسات البديلة.

 

                                                       الشباب

لا شك في أن الأمم والشعوب تُبنى بسواعد أبناءها من الشباب لما يملكونه من طاقة ذهنية وجسمانية ووعي معرفي يستطيعون به إحداث عملية التغيير الإيجابي نحو بناء دولة قادرة على استيعاب طموحاتهم وآمالهم لتستمر عملية العطاء المتبادل، فالدولة ذات الحكم الرشيد أيضا عليها مسؤولية إعداد هؤلاء الشباب وتسليحهم بالعلم والمعرفة والتدريب لتنمية وصقل تجاربهم ورفع قدراتهم ومهاراتهم ليصبحوا مؤهلين في تحمل مسؤولياتهم لقيادتها في المستقبل. باعتبارهم العمود الفقري ورأس الرمح في أي برنامج تغيير وطني طموح وقابل للتنفيذ.

ونسبة لهذا الدور الهام لشباب بلادنا في حمل راية التغيير نحو الأفضل لإعادة تشكيل وبناء الدولة السودانية على أسس متفق عليها يشارك فيها الجميع لترتقي إلى مصاف الدول التي تحترم وتقدر أبناءها، فطن أصحاب دولة المشروع الإسلاموي ذوي العقليات الإجترارية المغلقة لخطورة وجود شباب واعي مدرك لأهمية دوره الوطني والنضالي المقاوم تاريخيا للدكتاتوريات والشموليات الاقصائية، فشرعوا في تشكيل وعيه من خلال التجريف القيمي والأخلاقي، وذلك بهدم العملية التربوية والتعليمية لخلق شباب مغيب همه الأول الانشغال بغريزة البقاء والوجود الخانع والذليل على رصيف الأحداث مؤثرا السلامة الشخصية عوضا عن التفكير في استرداد قيم الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية لشعبه.

وبالرغم من شراسة الهجمة من قبل قوى الإسلام السياسي لتدجين الشباب السوداني وتسخيرهم لخدمة مشروعها العدمي وذلك بتعمد تغييب وتدمير وحدة القياس الأخلاقي لدى الشعوب السودانية ممثلة في شبابها بإحلال كل قيمة إنسانية نبيلة مكان نقيضها الشائه والقبيح، فالفهلوة شطارة والكذب ذكاء والخيانة وطنية وسرقة ونهب المال العام رزق ساقه الله.

 إلا أن الشرفاء الوطنيين من أبناء هذا الوطن المنكوب بتيارات الإسلام السياسي قد تصدوا وما زالوا يتصدون بتضحيات كبيرة لإعادة تصويب هذه المقاييس الخاطئة كإلتزام تفرضه ضريبة الانتماء الوطني واجبة السداد، فمثلت حركات شباب الهامش الذين حملوا السلاح لرفض ومقاومة هيمنة المركز وسياساته المدمرة، والاحتجاجات والهبات والانتفاضات التي قادها الشباب الوطني وآخرها هبة سبتمبر المجيدة ضربة قاصمة لفشل وتداعي المشروع التدجيني العنصري الذي استهدف هذه الشريحة الهامة وذلك بتجهيلها واستغلالها والاستثمار فيها كخزان بشري يغذي بها حروبه العبثية ضد الشعوب السودانية المسالمة التي لم تفوضه لقيادتها وحكمها.

منذ تأسيسها وضعت الجبهة السودانية للتغيير في كل أدبياتها ودورياتها وبرامجها قضايا الشباب ودورهم الهام في المساهمة الفاعلة لإعادة بناء وتشكيل أجهزة ومؤسسات الدولة السودانية على أسس محترمة لتكون في أعلى سلم أولوياتها، وذلك بتشجيعهم على كسر أغلال وهم الشعارات الفارغة، والتخذيل الممنهج الذي يهدف لتعطيل قدرة فعل التغيير السياسي فيهم، لكي تظل القوى الرجعية واليمنية وقوى الإسلام السياسي هي المتحكمة في مصيرهم ومستقبلهم وبالتالي مصير الدولة السودانية وشعوبها ككل.

وحتى يمكننا خلق شباب قادر على تحمل مسؤولية بناء دولته وقيادتها نحو الريادة لإعلاء القيم المدنية الراقية والتحضر الإنساني خدمة لتقدم ورفاه شعبها ترى الجبهة السودانية للتغيير التالي:ـ

أولا: تمليك الشباب وتمكينهم من سائل الوعي والاستنارة ليعبروا من خلالها عن قضاياهم ومشاكلهم حتى تساهم الدولة معهم في التصدي لها وحلها.

ثانيا: المراجعة الشاملة والجذرية للعملية التربوية والتعليمية وفقا للمعايير الدولية لإنشاء جيل أهل لتحمل مسؤولية قيادة وطنه. مع التركيز في معالجة مشكلة التسرب المدرسي والفاقد التربوي.

ثالثا: خلق فرص عمل جديدة لحل مشكلة البطالة وسط الشباب وتشجيعهم لارتياد العمل الطوعي كسبا للخبرة والمساهمة في خدمة الآخرين.

ثالثا: العمل على خلق الثقة بين الشباب من خلال فتح حوار وطني واسع عبر المنابر المختلفة داخل وخارج السودان.

رابعا: محاربة تجزئة القضايا المختلفة والتضامن حولها لاستنهاض مقدرات الشباب في المساهمة في برنامج التغيير وذلك للتصدي لمجمل القضايا الوطنية بذهن مفتوح. والعمل على نشر وتعميق وممارسة الديمقراطية وغرس ثقافة السلام ونبذ العنصرية.

خامسا: تعرية وكشف الاعتقالات والتعذيب الانتقائي بناء على الخلفيات الاجتماعية بصفة خاصة مع تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لجميع المعتقلين بصفة عامة حتى تعود الثقة لهؤلاء الضحايا ليسهموا في إعمار الوطن ويدافعوا عن أهمية وحدته وتماسكه.

سادسا: فتح قنوات التواصل بين المجوعات الشبابية المختلفة مع التركيز على مراكز التدريب داخل وخارج السودان لرفع قدرات وامكانيات الشباب باعتبارهم أهم  وسائل وادوات التغيير القادم.

سابعا: نبذ العنف البدني واللفظي لترسيخ ثقافة الوسائل السلمية في التصدي للمشكلات وقضايا الشباب.

ثامنا: إعادة تأهيل ضحايا المخدرات والتفكك الأسري وما يسمى بأطفال الشوارع ودمجهم في المجتمع وذلك عن طريق توفير الأسر البديلة ومراكز الشباب المخصصة لذلك الهدف.

 

 

bottom of page